للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فكان عندهم عاشر المحرم، فلما قَدِمَ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - المدينة، وجدهم يعظمون ذلك اليوم، ويصومونه، فسألهم عنه، فقالوا: هو اليوم الذي نجى الله فيه موسى وقومه من فرعون، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "نحن أحقّ منكم بموسى"، فصامه، وأمر بصيامه؛ تقريرًا لتعظيمه، وتأكيدًا، وأخبر - صلى الله عليه وسلم - أنه وأمته أحق بموسى من اليهود، فإذا صامه موسى شكرًا لله، كنا أحق أن نقتدي به من اليهود، لا سيما إذا قلنا: شرع من قبلنا شرع لنا إلا ما لم يخالفه شرعنا.

[فإن قيل]: من أين لكم أن موسى صامه؟.

[قلنا]: ثبت في "الصحيحين" أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما سألهم عنه، فقالوا: يوم عظيم، نجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فيه فرعون وقومه، فصامه موسى شكرًا لله، فنحن نصومه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فنحن أحق وأولى بموسى منكم"، فصامه، وأمر بصيامه، فلما أقرهم على ذلك، ولم يكذِّبهم عُلِم أن موسى صامه شكرًا لله، فانضم هذا القدر إلى التعظيم الذي كان له قبل الهجرة، فازداد تأكيدًا حتى بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مناديًا ينادي في الأمصار بصومه، وإمساك من كان أكل، والظاهر أنه حَتَمَ ذلك عليهم، وأوجبه، كما سيأتي تقريره.

وأما الإشكال الثالث، وهو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصوم يوم عاشوراء قبل أن ينزل فرض رمضان، فلما نزل فرض رمضان تركه، فهذ، لا يمكن التخلص منه إلا بأن صيامه كان فرضًا قبل رمضان، وحينئذ فيكون المتروك وجوب صومه، لا استحبابه، ويتعين هذا، ولا بدّ؛ لأنه عليه السلام قال قبل وفاته بعام، وقد قيل له: إن اليهود يصومونه: "لئن عشت إلى قابل لأصومنّ التاسع"؛ أي معه، وقال: "خالفوا اليهود، وصوموا يومًا قبله، أو يومًا بعده" (١)؛ أي معه، ولا ريب أن هذا كان في آخر الأمر، وأما في أول الأمر فكان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء، فعلم أن استحبابه لم يترك.

ويلزم من قال: إن صومه لم يكن واجبًا أحد الأمرين: إما أن يقول بترك


(١) تقدّم تخريجه، وأنه ضعيف مرفوعًا، صحيح موقوفًا.