إلى ترجيح قول من قال بعدم الوجوب، حيث قال: والذي يترجّح من أقوال العلماء أنه لم يكن فرضًا، وعلى تقدير أنه كان فرضًا، فقد نُسِخ بلا ريب، فنسخ حكمه، وشرائطه بدليل قوله:"من أكل فليتمّ"، ومن لا يشترط النيّة من الليل لا يجيز صيام من أكل من النهار.
قمال الجامع عفا الله عنه: قوله: "والذي يترجح من أقوال العلماء أنه لم يكن فرضًا"، إن أراد كونه مذهب الجمهور، فمسلَّم، وإن أراد أنه راجح من حيث الدليل فلا؛ لأن الذي يترجح بالأدلة الواضحة كونه فرضًا، لكنه نسخ برمضان، كما سمعته آنفًا، فتبصّر بالإنصاف، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): ذكر الإمام ابن القيّم رحمه الله في كتابه القيّم: زاد المعاد" عدّة استشكالات وردت على أحاديث صوم يوم عاشوراء، ثم أجاب عنها، أحببت إيرادها هنا؛ تكميلًا للفائدة، ونشرًا للعائدة، قال رحمه الله:
وأما صيام يوم عاشوراء، فإنه - صلى الله عليه وسلم - كان يتحرى صومه على سائر الأيام، ولَمّا قَدِم المدينة وجد اليهود تصومه وتعظمه، فقال: "نحن أحقّ بموسى منكم" فصامه، وأمر بصيامه، وذلك قبل فرض رمضان، فلما فُرِض رمضان قال: "من شاء صامه، ومن شاء تركه".
قال: وقد استَشْكَل بعض الناس هذا، وقال: إنما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة في شهر ربيع الأول، فكيف يقول ابن عباس: إنه قَدِمَ المدينة، فوجد اليهود صيامًا يوم عاشوراء.
وفيه إشكال آخر، وهو أنه قد ثبت في "الصحيحين" من حديث عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: كانت قريش تصوم يوم عاشوراء في الجاهلية، وكان - صلى الله عليه وسلم - يصومه، فلما هاجر إلى المدينة صامه، وأمر بصيامه، فلما فُرِض شهر رمضان قال: "من شاء صامه، ومن شاء تركه".
وإشكال آخر، وهو ما ثبت في "الصحيحين" أن الأشعث بن قيس دخل على عبد الله بن مسعود - رضي الله عنهما -، وهو يتغدى، فقال: يا أبا محمد ادْنُ إلى الغداء، فقال: أوَ ليس اليوم يوم عاشوراء؟ فقال: وهل تدري ما يوم عاشوراء؟