للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فاكتفى منهم بإمساك ما بقي، كالصبي يبلغ، والكافر يسلم. انتهى كلام ابن القيّم رحمه الله باختصار (١).

ظ ل الجامع عفا الله عنه: أشار بحديث أبي داود إلى ما أخرجه هو والنسائيّ، من طريق قتادة، عن عبد الرحمن بن سلمة، عن عمة، أن أسلم أتت النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "صمتم يومكم هذا؟ " قالوا: لا، قال: "فأتموا بقية يومكم، واقضوه".

وهذا الحديث ضعيف؛ لأن في سنده عبد الرحمن بن سلمة، قال ابن القطّان: مجهول، وقال الذهبيّ: لا يُعرف، وقال في "التقريب": مقبولٌ؛ أي حيث يُتابع، ولم يُتابع هنا، فالحديث بزيادة: "واقضوه" لا يصحّ؛ لما ذُكر، فتنبه.

والحاصل أن مجموع الأحاديث تدلّ دلالة قويّةً على أن صوم عاشوراء كان واجبًا، وذلك لثبوت الأمر بصومه، والأمر للوجوب، ثم تأكُّد الأمر بذلك، ثم زيادة التأكيد بالنداء العامّ، ثم زيادته بأمر من أكل بالإمساك، ثم زيادته بأمر الأمهات أن لا يُرضعن فيه الأطفال، كما سيأتي معظم هذه الأحاديث في الباب، وبقول ابن مسعود - رضي الله عنهما - الثابت فيه أيضًا: "لما فُرض رمضان تُرك عاشوراء"، مع العلم بأنه ما تُرِك استحبابه، بل هو باق، فدلّ على أن المتروك وجوبه.

وأما قول بعضهم: المتروك تأكد استحبابه، والباقي مطلق استحبابه، فلا يخفى ضعفه، بل تأكد استحبابه بأن، ولا سيما مع استمرار الاهتمام به حتى في عام وفاته - صلى الله عليه وسلم -، حيث يقول: "لئن عِشت لأصومنّ التاسع والعاشر"، ولترغيبه في صومه، وأنه يكفّر سنة، وأيّ تأكيد أبلغ من هذا؟.

فتلخّص مما سبق أن صوم عاشوراء كان واجبًا، ثم نُسخ وجوبه برمضان، وبقي استحبابه، وهذا هو المذهب الراجح؛ لقوّة حُججه، كما سبق إيضاحه آنفًا.

ومن الغريب أن الحافظ رحمه الله حقق هذه الحجج، كما سمعت، لكنه مال


(١) "حاشية ابن القيم على سنن أبي داود" ٧/ ٨١ - ٨٤.