للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وكانت نتائج آراء ابن سينا قيمة جدًا وجاءت بالعجب العجاب، فقديمًا كان الجرح لا يشفى إلا بعد أن يمضي عليه زمن طويل قد يتجاوز الأسابيع المليئة بالآلام والأوجاع، بل قد تمضي الشهور قبل أن يلتئم الجرح. أما الآن فالجرح يشفى في يومه، فقد تجنبت نظرية ابن سينا لا إحداث التقيح فقط بل نادت بوجوب عدم إثارة الجرح سواء كانت هذه الإثارة آلية أو كيماوية، واكتفى الطبيب باستخدام كمادات ساخنة بالنبيذ الأحمر المعتق لتجنب إحداث قيء، وهذه وسيلة جبارة تقضي على الجرثومة في مهدها. وقد تنبه عام ١٩٥٩ م الأستاذ الفرنسي «مسكلير» من مدينة «بوردو» إلى مفعوله كمضاد حيوي تمامًا وهو لا يقل مفعولا وأهمية عن البنسلين.

أما هذا العلاج وهذه الطريقة في التفكير فتتفق والتقاليد العربية القديمة والاستعداد العربي الجبار لعلاج الجروح، ولا يستطيع أحد أن ينكر على العرب قوة الاختراع والأصالة في التفكير، فلعلاج الجروح المنتنة اخترع العرب الجاهليون وسيلة فعالة، وهذه الوسيلة لم تعرفها أوربا إلا في القرن العشرين، وهي المعروفة اليوم باسم المضاد الحيوي، فمن سروج الحمير والجواميس استخرج العرب مادة متعفنة وهي التي يصنع منها البنسلين والإسبرجيلوس، ومن هذه المادوة كونوا مرهمًا وعالجوا به الجروح الملتهبة فنجحوا نجاحًا باهرًا. أما إذا كانت الالتهابات في الحلق فقد استخلصوا المضادات الحيوية من العفن الذي يتكون في الخبز وألقموه للمريض كما هي العادة حتى اليوم عند البدو، فإن مثل هذه الوصفات كنا ننظر إليها لو وقعت قبل خمسين سنة على أنها عمل همجي مزعج: أما اليوم فإعجابنا لا ينقطع من مثل هذه الوصفات القديمة التي هي عبارة عن مضادات حيوية تلطف الالتهابات وتقاومها بل تقضي عليها. إن هذه المضادات الحيوية العربية كانت تقضي كذلك على هذه الجراثيم الخاصة التي ينتج عنها مثل هذا المرض، وإن هذه الوسيلة يتمثل لنا فيها اليوم أحدث أنواع العلاج حتى يظهر شيء جديد.

حديثه أيضًا وسيلة العرب لعلاج مرضى العقول. فقد عالج العرب الهوس ومختلف الأمراض العقلية عن طريق النوم وبواسطة الأفيون وقد استخدمت أوربا

<<  <   >  >>