جديد الحمامات المتناوبة، كما اخترع الحقنة الشرجية وقربة الثلج، كما يرجع إلى الرازي الفضل في استخدام الشعر في خياطة العمليات الجراحية في العصور الوسطى؟
كذلك من الأشياء الأصيلة وذات الفضل العظيم على الإنسانية: طريقة العرب في التخدير، وهم يختلفون فيها عن الهنود واليونان والرومان الذين كانوا يسكرون المريض. أما الطريقة العربية في تخدير المريض فهي العمل على تخديره لا لتخفيف الآلام فقط بن تسهيلا للجرّاح للقيام بعمليته الجراحية دون أن يشعر المريض بألم، أعني استخدام طريقة التخدير الشامل لكل الجسم. ومن العجيب أن هذا التخدير قد نسبه الأوربيون أيضًا إلى طبيب إيطالي، ومن ثم إلى أهالي الإسكندرية الذين تعلموه عن العرب. أما طريقة إجرائه فغمس قطعة من الإسفنج في عصير من مادة الحشيش ومستخرج زهرة البسلة ونبات السكران، ثم تخفيف قطعة الإسفنج في الشمس، وعند استخدامها تطري وتوضع في أنف المريض عند إجراء العملية فيمتص المخاط السائل، ولا يلبث المريض أن يغط في النوم ولا يشعر بآلام العملية القاسية. وقد أخذت أوربا هذه الطريقة عن العرب إلا أنها لم تستمر طويلًا؛ وذلك بسبب الاهتداء حوالي عام ١٨٤٤ م إلى وسيلة أخرى تخدر المريض لا عن طريق الإسفنجة وما بها من سوائل، بل عن طريق التنفس. ولم تلبث هذه الطريقة طويلا حتى حلت محل القديمة.
وما أصاب التخدير العربي أصاب كثيرًا من الاختراعات العربية وبخاصة ما يتصل بالجراحة وشفاء الجروح، فمثلا المطهر الذي انتقل من العرب إلى شمال إيطاليا لم يعش طويلا واختفى لمدة ستة قرون مرة أخرى.
ومن سوء الحظ أن الفكرة اليونانية القائلة بمبدأ تكوين الكون من أربعة أنواع من العصير ظلت تعمل عملها حتى اعتقد الأطباء اعتقادًا عجيبًا يقول إن تقيح الجرح هو الوسيلة الطبيعية لتطهيره؛ لذلك كان الطبيب يستعين بإحداث تقيح صناعي وتنشيطه، وقد زلت فكرة أبقراط هذه حية يعمل بها الأطباء زهاء ألف عام، حتى جاء ابن سينا فكان أول من عارضها وحاربها ونادى بالعكس.