أو القرب من برازه. فالعدوى كما أثبت ابن الخطيب قائمة تؤيدها التجارب والنتائج القاطعة، وابن الخطيب يحذر من ويلاتها ويقول بوجوب الابتعاد عن المرضى وعن ملامستهم أو الاقتراب من ملابسهم أو استخدام أوانيهم وأدواتهم، وزيادة في الحيطة قال إن قرط المريض قد يسبب الموت للذي يلعقه ولجميع أفراد الأسرة بل المدينة بجميع سكانها. ويدعو الطبيب العربي إلى وجوب تحصين الناس من هذا المرض الذي قد يفد إلى بلدهم عن طريق شخص أجنبي قادم من بلد أجنبي.
ولا شك في أن إدراك الأخطار التي قد تنجم عن العدوى المتنقلة يعتبر من أهم الخطوات الهامة في تقدم علم الطب، والفضل في بلوغها يرجع ولا شك إلى العرب الذين توصلوا إليها بينما ظل العالم القديم قرونًا عديدة يتخبط في ويلات الأمراض وأخطارها، وهكذا أدى الطب العربي أجلّ الخدمات الإنسانية.
ويشارك ابن الخطيب الوزير الغرناطي هذا الرأي طبيب عربي آخر، وهذا الطبيب الأندلسي هو ابن خاتمة، أحد أبناء مدينة «الماريا» الإسبانية، فهو يقرر: إذا اتصل إنسان بمريض انتقل إليه نفس المرض بعوارضه، فإذا بصق المريض الأول دمًا بصق الآخر كذلك، وإذا أصيب المريض الأول بخراج انتقل الخراج الثاني، وكما أن الثاني قد أصابته العدوى من الأول فالمريض الثاني قادر كذلك على نقل المرض إلى الآخرين.
وبغتة أدركت أوربا بعد ثمانين عامًا من هذا الكشف العربي أن المرض -إذا ما ظهر- هو الوباء، ويجري الإنسان بعيدًا عن المريض خوف العدوى، لكن هذا الفرار لا ينقذه من حالة الذعر التي تحل به وتستولي عليه، لذلك لجأ إلى الطلاسم علها تقيه شر الوباء وأخطاره، كما استعان أيضًا بالبخور اعتقادًا منه أنه يطارد الهواء السام المتصاعد من باطن الأرض والمعروف باسم عفونة اليونانيين.
ثم نجد بعد انتشار الوباء الثاني العظيم في ذلك القرن، أعني عام ١٣٨٢ م، أن «شالين ده فيناريو» الأستاذ بجامعة مونبيليه الذي كان الوسيط بين العلوم العربية وبين جنوب غرب أوربا، وعن طريقه شقت الثقافة العربية الأندلسية طريقها إلى