للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

الفصد، ومن ثم يدلكونه، بخلاف الصينيين الذين كانوا يضعون صديد الجدري -عن طريق كيس صغير مغموس في هذا الصديد- في أنف الشخص المراد تطعيمه.

وإذا ذكرنا أطباءنا العرب يجب ألا ننسى ابن ماسويه مشخص مرض البرص في القرن التاسع الميلادي، ولم يكن هذا المرض كما اعتقدت أوربا المسيحية لعنة من الله، وقد اهتم به كثيرون من الأطباء العرب ومن بينهم أحد أبناء القيروان ألا وهو ابن الجزار فقد أجاد تشخيصه وعلاجه، وكان العرب يعزلون صرعى هذا الداء الوبيل في مستشفيات خاصة وتحت رعاية أطباء مختصين بخلاف الحال في أوربا التي جردتهم من حقوقهم الإنسانية فنبذهم المجتمع وصلت عليهم الكنيسة صلاة الميت، وذلك لأن طرد الفرد من المجتمع البشري في أوربا كان عملًا كنسيًا، وكانت زيارة المرضى بالبرص من اختصاص رجال الدين والمدنيين، فإذا كان المريض تحت رعاية أحد رجال الدين فعليه أن يشعر وهو في شقائه وبؤسه أنه جثة حية. ففي فرنسا كانت الكنيسة تعتبر هذا المريض، الحي الميت، فتحرمه هي أيضًا من حقوقه الكنسية فينقل المريض إلى قبر مفتوح حيث يصلي عليه قسيس ويهيل عليه التراب ثلاث مرات كما يفعل مع الموتى الحقيقيين، ومن ثم ترسله الكنيسة إلى دار خاصة أعدت لهؤلاء المعذبين الذين يمضون بها البقية من حياتهم. وقد ظلت هذه الحالة سائدة في أوربا حتى القرن السادس عشر الميلادي كما يذكر «جيلرفون كيزربرج» فقد ورد عنه أنه قال: اليوم وفي مختلف الجهات والأملاك الكنيسة نجد القساوسة وحدهم هم الذين لهم حق الفصل في مثل هذه الحالات. كذلك الوباء القاتل المميت الذي كثيرًا ما كان يقضي على الأخضر واليابس كما حدث في القرن الرابع عشر حيث أهلك الكثيرين من سكان القارة، فمثل هذا الوباء لم يفهمه العرب على أنه وقع بسبب قوى ما وراء الطبيعة أو قوى سحرية، فالحدود بين الذين يصدرون الأحكام معتمدين على المنطق والعقل وأولئك الذين يؤمنون بالخرافات -ومن الأسف أن نقرر هذه الحقيقة- كانت تمامًا كالفروق القائمة بين العرب العلماء النبهاء والمسيحيين الذين كانوا دون المسلمين كثيرًا. وإن الرأي الذي أعلنه أستاذ جامعة مونبيليية عام ١٣٤٨ م، ذلك العام الذي تفشى فيه الوباء وانتشر، قد قال فيه إن مصدر تكاثر هذا المرض هو نظرة المرضى؛ لذلك نصح الطبيب أو القسيس أن

<<  <   >  >>