فهذا الطبيب والفيلسوف الأندلسي، والذي يداني الرازي علمًا ومكانة، يدين له الطب كثيرًا، إذ كان هو أول من شخص أمراض الالتهابات الجلدية فوصفها وصفًا دقيقًا كما عرض للالتهاب الرطب والجاف لكيس القلب، وهذا مرض يخالف سائر أمراض الرئة، ثم ذكر أيضًا نشأة التغذية الصناعية ومختلف أنواع التغذية عن طريق الأنابيب، وهو يصف هذه الحالات وصفًا دقيقًا لا يقل عن اهتمامه بعرض سرطان المعدة، وقد اهتدى إليه واهتم به إبان حياته في السجن فشاهده ودرسه في سجين آخر كان معه في نفس القاعة.
وكان السرطان الموضعي هو عبارة عن مرض السرطان للعضو، فقد لاحظ هذا أولا ابن سينا، وهو أيضًا الذي لاحظ العدوى التي قد تنشأ عن السل الرئوي وعن خطر الإشعاعات الشمسية على المصابين بالسل. والقول بأن بعض الأمراض المعدية مثل الجدري الأسود قد يمنح الجسم حصانة مدى الحياة قد نادى به الطبيب والفيلسوف العربي ابن رشد أحد أبناء قرطبة والذي اشتهر في العصور الوسطى في أوربا باسم «أبي روز». وبعد قرنين من عصر ابن رشد أصدر القيصر مكسميليان الأول أمرًا عاليًا أعلن فيه أن مرض الجدري وسيلة من وسائل الله لتهذيب البشر وعن طريق هذا المرض ندرك مدى عذاب الله، وأولئك الذي لا يؤمنون بهذا كفار.
وفي أواخر القرن الثامن عشر نجد أوربا تستخدم التطعيم ضد الجدري كوسيلة لتحصين الجسم ضده، وهذا التطعيم بعينه قد سبق فيه العرب الأوربيين واستخدموه في العصر الجاهلي، وبدافع وقاية الجسم من هذا المرض أيضًا كما هو الحال في عصرنا هذا. أما وسيلة العرب إلى تحقيق هذه الغاية فتطعيم الجسم بمصل مخفف من المرض، فيهيج هذا المصل الجسم وينبهه، ويجعله مستعدًا لمقاومة المرض، وذلك عن طريق خلق حالة مرض مصطنعة، ويكتسب الجسم بهذه الطريقة الحصانة المطلوبة. أما طريقة العرب فتلخص في أنهم كانوا يفصدون فصدًا بسيطًا في الكف بين الإبهام والمعصم، ومن ثم يأتون بجزء من محتويات بثرة من بثور الجدري الذي يكون قد أصيب به جار أو قريب في صحة جيدة، ويضعونه على