للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

الكل قد أطبقوا على أنه عظمان بمفصل وثيق عند الحنك، وقولنا الكل إنما نعني به ها هنا جالينوس وحده فإنه هو الذي باشر التشريح بنفسه وجعله دأبه ونصب عينه، وصنف فيه عدة كتب معظمها موجود لدينا والباقي لم يخرج إلى لسان العرب. والذي شاهدناه من حال هذا العضو أنه عظم واحد وليس فيه مفصل ولا درز أصلا، واعتبرناه ما شاء الله من المرات في أشخاص كثيرة تزيد على ألفي جمجمة بأصناف من الاعتبارات، فلم نجده إلا عظمًا واحدًا من كل وجه، ثم إننا استعنا بجماعة مفترقة اعتبروه بحضرتنا وفي غيبتنا فلم يزيدوا على ما شاهدناه منه وحكيناه، وكذلك في أشياء أخر غير هذه، ولئن مكنتنا المقادير بالمساعدة وضعنا مقالة في ذلك نحكي فيها ما شاهدناه وما علمنا من كتب جالينوس. ثم إني اعتبرت هذا العظم أيضًا بمدافن بوصير القديمة المقدم ذكرها فوجدته على ما حكيت ليس فيه مفصل ولا درز، ومن شأن الدروز الخفية والمفاصل الوثيقة إذا تقادم عليها الزمان أن تظهر وتتفرق، وهذا الفك الأسفل لا يوجد في جميع أحواله إلا قطعة واحدة. .».

ولو اعتقد أبقراط ومن جاءوا بعده أن الطفل يتحرك تلقائيًا ويخرج من الرحم فإن عليَّ بن العباس هو أول من تنبه إلى هذه الظاهرة، وهو مكتشف وظيفة الرحم وأنه بانقباضه يطرد الجنين؛ كما كتب علي بن عباس عن أورام الرحم وعنق الرحم وسرطان البطن. وابن العباس هو الذي سبق «دروين» بنحو ألف عام ونادى بالرأي القائل بنشأة الأجناس وتأقلمها ببيئتها المحيطة بها.

كذلك العظام قد تصاب بالالتهاب، هكذا يقرر ابن سينا مخالفًا آراء الأقدمين الذين يقولون: «إن الأنسجة ضعيفة التماسك مثل أنسجة المخ والأنسجة القوية كتلك التي نجدها في العظام غير قابلة للالتهاب»، فهذا الرأي خطأ، فأولا هو يفرق بين التهاب جلد المخ، وهو التهاب معد، وبين الالتهابات الأخرى المعدية، وبذلك يقدم لنا أول تشخيص خلافي لتصلب الرقبة والالتهاب الثانوي لجلد المخ، ثم نجده في عصرنا هذا. فهذه الصورة العامة التي عرف العالم القديم بعضها وفاته البعض الآخر تجعل علم الأمراض العربي في منزلة أرقى وأبعد من هذا العلم عند اليونان

<<  <   >  >>