للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

يشقون طريقهم

«جالينوس -وإن كان في الدرجة العليا من التحري والتحفظ فيما يباشره ويحكيه- الحس أصدق منه».

فهذه الجملة اعتراف صريح قاله الطبيب والعالم البغدادي الذي كان من أصدقاء صلاح الدين ألا وهو عبد اللطيف البغدادي (١١٦٢ - ١٢٣١ م)، وقد تنقل في مختلف عواصم شرق العالم الإسلامي ودرس في مدارسها، وقد جاء في «كتاب الإفادة والاعتبار في الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض مصر»:

«ومن عجيب ما شاهدناه أن جماعة ممن ينتابني في الطب وصلوا إلى كتاب التشريح، فكان يعسر إفهامهم وفهمهم لقصور القول عن العيان، فأخبرنا أن بالمقس تلاّ عليه رمم كثيرة فخرجنا إليه فرأينا تلا من رمم له مسافة طويلة يكاد يكون ترابه أقل من الموتى به تحدس ما يظهر منهم للعيان بعشرين ألفًا فصاعدًا، وهم على طبقات في قرب العهد وبعده.

فشاهدنا من شكل العظام ومفاصلها وكيفية اتصالها وتناسبها وأوضاعها ما أفادنا علمًا لا نستفيده من الكتب، إما أنها سكتت عنها أو لا يفي لفظها بالدلالة عليه، أو يكون ما شاهدناه مخالفًا لما قيل فيها، والحس أقوى دليلًا من السمع، فإن جالينوس -وإن كان في الدرجة العليا من التحري والتحفظ فيما يباشره ويحكيه- الحس أصدق منه».

ثم بعد ذلك يتخيل لقوله مخرجًا إن أمكن، «فمن عظم الفك الأسفل، فإن

<<  <   >  >>