وقوله: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}.
قال القاسمي: (أي: نطلعه على حقائقهما، ونبصره في دلالتهما على شؤونه عز وجل، من حديث إنهما بما فيهما، مربوبان ومملوكان، له تعالى. و {الملكوت} مصدر على زنة المبالغة، كالرَّهَبوت والجبروت، ومعناه: الملك العظيم، والسلطان القاهر. وقيل: ملكوتهما عجائبهما وبدائعهما).
وفي التنزيل نحو ذلك:
١ - قال تعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} [يونس: ١٠١].
٢ - وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف: ١٨٥].
٣ - وقال تعالى: {أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} [سبأ: ٩].
وقوله: {وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ}.
قال النسفي: (فعلنا ذلك أو ليستدل، وليكون من الموقنين عيانًا كما أيقن بيانًا).
وقوله: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ}
أي: ستره بظلمته. قال ابن جرير: (وكل ما توارى عن أبصار الناس، فإن العرب تقول فيه: "قد جَنَّ"). ومنه الجَنّة والجِنّة والجُنّة والجَنين والمِجَنّ والجن كله بمعنى الستر. قال القرطبي: (وجَنان الليل ادلهمامُه وستره).
قال: (ويقال: جنون الليل أيضًا. ويقال: جَنّه الليل وأجَنّه الليل، لغتان).
والمقصود: فلما أظلم الليل على إبراهيم عليه الصلاة والسلام وستره بظلامه {رَأَى كَوْكَبًا}. أي: نجمًا، والكوكب لغة النجم.
وفي قوله: {رَأَى كَوْكَبًا}.
قال النسفي: (أي: الزهرة أو المشتري، وكان أبوه وقومه يعبدون الأصنام والشمس والقمر والكواكب، فأراد أن ينبههم على الخطأ في دينهم وأن يرشدهم إلى طريق النظر والاستدلال، ويعرفهم أن النظر الصحيح مؤد إلى أن شيئًا منها ليس بإله لقيام دليل الحدوث فيها، ولأن لها محدثًا أحدثها ومدبرًا دبر طلوعها وأفولها وانتقالها ومسيرها وسائر أحوالها).