للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: ولا عبرة بكلام آخر غير هذا، فالقرآن صرّح باسم والد إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه {آزَرَ}، وكذلك صرّحت السنة الصحيحة.

فقد أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:

[يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة، وعلى وجه آزر قتَرَةٌ وغَبَرَة، فيقول له إبراهيم: ألم أقل لك لا تعصني؟ فيقول له أبوه: فاليوم لا أعصيك. فيقول إبراهيم: يا رب! إنك وعدتني أن لا تخزني يوم يبعثون، فأي خزي أخزى من أبي الأبعد. فيقول الله تعالى: إني حرمت الجنة على الكافريق. ثم يقال لإبراهيم: ما تحتَ رجليك؟ فينظر فإذا هو بذِيخ متلطخ، فيؤخذ بقوائمه فيُلقى في النار] (١).

وقوله: {أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً}.

أي: تتأله لصنم تصرف له العبادة من دون الله.

وقوله: {إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}.

أي: إني أراك والقوم السالكين دربك وطريقتك في العبادة تائهين ضالين جائرين عن الحق وعن قصد السبيل.

وفي التنزيل: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (٤١) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (٤٢) يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (٤٣) يَاأَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (٤٤) يَاأَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (٤٥) قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (٤٦) قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (٤٧) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا} [مريم: ٤١ - ٤٨].

قال ابن كثير: (فكان إبراهيم - عليه السلام - يستغفر لأبيه مُدَّةَ حياته، فلما مات على الشرك وتبيّن إبراهيم ذلك رجع عن الاستغفار له، وتبرّأ منه، كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة: ١١٤]).


(١) حديث صحيح. انظر مختصر صحيح البخاري (١٣٤٤). والقترة: السواد من الكآبة والحزن. والذيخ: ذكر الضبع الكثير الشعر. والحديث ذكره الإمام البخاري في كتاب الأنبياء.

<<  <  ج: ص:  >  >>