للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفى هذه السنة بلغ إردب القمح مائة وسبعين درهما عبارة عن ثمانية مثاقيل ونصف.

وفى سنة ٦٩٥ وقع بالناس شدة من الغلاء لقلة الواصل، إلا أنهم كانوا يوطنون (١) أنفسهم بمجئ الغلال الجديدة، وكان قد قرب أوانها، فعند إدراك الغلال هبت ريح سوداء مظلمة من نحو بلاد برقة هبوبا عاصفا وحملت ترابا أصفر كسا زروع تلك البلاد فهافت، ولم يكن بها يومئذ إلا زرع قليل، ففسدت بأجمعها، وعمّت تلك الريح والتراب إقليم الجيزة والغربية والشرقية ومرت إلى الصعيد الأعلى، فهاف الزرع وأفسدت الزرع الصيفى كالأرز والسمسم والقلقاس وقصب السكر وسائر ما يزرع على السواقى، فتزايدت الأسعار وأعقب تلك الريح أمراض حميات عمّت سائر الناس، فنزع سعر السكر والعسل وما يحتاج إليه المرضى، وعدمت الفواكه، وبيع الفرّوج من الدجاج بثلاثين درهما والبطيخة بأربعين، ورطل البطيخ بدرهمين والسفرجل ثلاث منه بدرهم، وتزايد إلى مائة وتسعين درهما الأردب، والشعير إلى مائة وعشرين، والفول والعدس إلى مائة وعشرة دراهم، وأقحطت بلاد القدس والساحل، وامتد القحط إلى حلب، وبلغت الغرارة القمح مائتين وعشرين درهما، والشعير على النصف من ذلك، ورطل اللحم إلى عشرة دراهم والفاكهة إلى أربعين، وكان ببلاد الكرك والشبوك وبلاد الساحل مما يرصد للمهمات والبواكير (٢) ما ينيف على عشرين ألف غرارة فحملت إلى الأمصار.

وأقحطت مكة فبلغ الأردب القمح بها إلى تسعمائة درهم، والشعير إلى سبعمائة، ورحل أهلها حتى لم يبق بها إلا اليسير من الناس، وخرجت سكان قرى الحجاز، وعدم القوت ببلاد اليمن، واشتد بها الوباء، فباعوا أولادهم فى شراء القوتت، وفروا إلى نحو حلل بنى يعقوب، فالتقوا بأهل مكة، وضاقت


(١) هكذا فى الأصل وفى «إغاثة الأمة (يمنّون) ص ٣٣.
(٢) البواكير جميع بيكار، وهو لفظ فارسي معرب، وقد جرى فى مصطلح الدولة المملوكية بمصر للدلالة على الحملات الحربية والحرب عامة، انظر هامش ٢ ص ٣٤ من إغاثة الأمة.