للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بهم البلاد ففنى أكثرهم بالجوع. وأقحطت بلاد الشرق وأمسك عنها القطر وعدمت دوابهم لعدم المرعى/واشتد الأمر بمصر، وكثر الناس بها من أهل الآفاق، فعظم الجوع وانتهب الخبز من الأفران والحوانيت، حتى كان العجين إذا خرج إلى الفرن انتهبه الناس فلا يحمل إلى الفرن ولا يخرج الخبز منه إلا ومعه عدة يحمونه من النهابة، فكان من الناس من يلقى نفسه على الخبز ليخطف منه ولا يبالى بما نال رأسه وبدنه من الضرب لشدة ما نزل به من الجوع. فلما تجاوز الأمر الحدّ أمر السلطان بجمع الفقراء وذوى الحاجات وفرقهم على الأمراء، فأرسل إلى أمير المائة مائة فقير، وإلى أمير الخمسين خمسين، وإلى أمير العشرة عشرة، فكان من الأمراء من يطعم سهمه من الفقراء (١) لحم البقر مثرودا فى مرقة الخبز، يمده لهم سماطا يأكلون جميعا، ومنهم من يعطى فقراءه رغيفا رغيفا، ومنهم من يفرق لكل واحد رغيفين رغيفين، وبعضهم يفرق الكعك، وبعضهم يعطى رقاقا فخفّ ما بالناس الفقراء (٢)، وعظم الوباء فى الأرياف والقرى وفشت الأمراض بالقاهرة ومصر، وعظم الموتان وطلبت الأدوية للمرضى فباع عطار فى رأس حارة الديلم من القاهرة فى شهر واحد بمبلغ اثنين وثلاثين ألف درهم، وبيع من دكان وكان يعرف بالشريف عطوف من سوق السيوفيين بمثل ذلك، وكذلك حانوت بالوزيرية وآخر خارج باب زويلة بيع من كل منهما بنحو ذلك.

وطلبت الأطباء وبذلت لهم الأموال، وكثر متحصلهم فكان كسب الواحد منهم فى اليوم مائة درهم، ثم أعيا الناس كثرة الموت فبلغت عدة من يرد اسمه الديوان السلطانى فى اليوم ما ينيف عن ثلاثة آلاف ميت، وأما الطرحاء فلم يحصر عددهم بحيث ضاقت بهم الأرض وحفرت لهم الآبار والحفائر وألقوا فيها، وجافت الطرق والنواحى والأسواق من الموتى وكثر أكل لحوم بنى آدم خصوصا الأطفال فكان يوجد الميت وعند رأسه لحم الآدمى الميت، ويمسك


(١) فى الأصل: الفراء
(٢) هكذا فى الأصل وفى إغاثة الأمة ص ٣٥ (من الفقر).