للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان جماعة من أهل الستر يخرجون فى الليل ويحتطبون من المساكن الخالية فإذا أصبحوا باعوها.

وكانت الأزقة بمصر والقاهرة لا يرى فيها من الدور المسكونة إلا القليل، وكان الرجل بالريف، فى أسفل مصر وأعلاها، يموت وبيده المحراث فيخرج آخر للحرث فيصيبه ما أصاب الأول.

واستمر توقف النيل ثلاث سنين متوالية، فلم يطلع منه إلا القليل، فبلغ المدّ (١) من القمح ثمانية دنانير، وأطلق العادل للفقراء أشياء من الغلال، وقسم الفقراء على أرباب الأموال، وأخذ منهم اثنى عشر ألفا جعلهم فى مناخ القصر وأفاض عليهم القوت وكذلك فعل جميع الأمراء وأرباب السعة والثروة، وكان الواحد من أهل الفاقة إذا امتلأ بطنه بالطعام بعد طول الطّوى سقط ميتا، فيدفن منهم فى كل يوم العدة الوافرة، حتى إنه بلغ فى مدة يسيرة من مات نحوا من مائتى ألف وعشرين ألف ميت، فإن الناس كانوا يتساقطون فى الطرقات من الجوع ولا يمضى يوم حتى يؤكل عدة من بنى آدم.

وتعطلت الصنائع وتلاشت أحوال الناس وفنيت الأقوات والنفوس، حتى قيل إن سنة تسع (٢) افترست أسباب الحياة.

فلما أغاث الله تعالى الخلق بالنيل، لم يوجد أحد يحرث ولا يزرع، فخرجت الأجناد بغلمانهم، وتولوا ذلك بأنفسهم، ولم تزرع أكثر البلاد لعدم الفلاح، وعدمت الحيوانات جملة فبيع فروج بدينارين ونصف ومع ذلك كانت المخازن مملوءة غلالا والخبز متيسر الوجود يباع كل رطل بدرهم ونصف.


(١) هكذا فى الأصل وفى إغاثة الأمة (الأردب) ص ٣١.
(٢) هكذا فى الأصل وفى إغاثة الأمة (سبع) ص ٣١.