وفى سنة ٥٩٠ وقع الغلاء فى الدولة الأيوبية وسلطنة العادل أبى بكر بن أيوب، وسببه توقف النيل عن الزيادة وانتهت زيادته إلى اثنى عشر ذراعا وأصابع، فتكاثر مجئ الناس من القرى إلى القاهرة من الجوع، ودخل فصل الربيع، فهبّ هواء وعقبه وباء وفناء وعدم القوت حتى أكل الناس الأطفال من الجوع، وكان الأب يأكل ابنه مشوّيا ومطبوخا وكذا الأم فعوقب جماعة بسبب ذلك.
ثم فشا الأمر وأعيا الحكام، فكان يوجد بين ثياب الرجل والمرأة كتف صغير أو فخذه أو شئ من لحمه، ويدخل بعضهم إلى جاره فيجد القدر على النار فينتظر حتى تتهيأ فإذا هى لحم طفل، وأكثر ما وجد ذلك فى أكابر البيوت بل وجدت لحوم الأطفال بالأسواق والطرقات مع الرجال والنساء مختفية، وغرق دون شهرين ثلاثون امرأة بسبب ذلك، ثم تزايد الأمر لعدم القوت من جميع الحبوب وسائر الخضراوات وكل ما تنبته الأرض فلما كان آخر الربيع احترق ماء النيل فى برمودة حتى صار المقياس فى برّ مصر وانحاز الماء عنه إلى بر الجيزة، وتغير طعمه وريحه، ثم أخذ فى الزيادة قليلا قليلا إلى السادس عشر من مسرى فزاد إصبعا واحدا ثم وقف أياما وأخذ فى الزيادة القوية وأكثرها ذراع إلى أن بلغ خمسة عشر ذراعا وستة عشر إصبعا، ثم انحطّ من يومه فلم تنتفع به البلاد لسرعة نزوله. وقد فنى أهل القرى حتى لم يبق بالقرية التى كان فيها خمسمائة نفس سوى اثنين أو ثلاثة.
وتعطل حفر الجسور ومصالح البلاد لعدم الناس والبقر فإنها أيضا فقدت حتى بيع الرأس من البقر بسبعين دينارا، وجافت الطرق بمصر والقاهرة وسائر دروب النواحى بالأقاليم من كثرة الموتى، وما زرع - على قلته - أكلته الدودة، ولم يمكن رده لعدم التقاوى والأبقار، وانعدم الدجاج بالمرة، واستمر أكل لحوم الأطفال وانعدم الوقود، وكانت الأفران توقد بأخشاب البيوت.