للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن غريب ما وقع: أن امرأة من أرباب البيوت بمصر أخذت عقدا لها قيمته ألف دينار، وعرضته على جماعة ليعطوها به دقيقا وكلّ يعتذر إليها ويدفعها عن نفسه، إلى أن رحمها بعض وباعها به تليس دقيق، وكانت تسكن بمصر، فلما أخذته أعطت بعضه لمن يحميه من النهاية فى الطريق، فلما وصلت إلى باب زويلة تسلمته من الحماة له ومشت قليلا فتكاثر الناس عليها وانتهبوه نهبا، فأخذت هى أيضا مع الناس منه ملء يديها لم ينبها غيره، ثم عجنته وشوته، فلما صار قرصة أخذتها معها وتوصلت إلى أحد أبواب القصر، ووقفت على مكان مرتفع ورفعت القرصة على يدها بحيث تراها الناس ونادت بأعلى صوتها: «يا أهل القاهرة، ادعوا لمولانا المستنصر الذى أسعد الله الناس بأيامه، وأعاد عليهم بركات حسن نظره، حتى تقوّمت هذه القرصة بألف دينار»، فلما وصل له ذلك انقبض (١) له وقدح فيه وحرك منه، وأحضر الوالي وتوعده وتهدده، وأقسم له بالله جلّت قدرته أنه إن لم يظهر الخبز فى الأسواق وينحلّ السعر وإلا ضرب رقبته وانتهب ماله، فخرج من بين يديه، وأخرج من الحبس قوما وجب عليهم القتل، وأفاض عليهم ثيابا واسعة، وعمائم مدورة، وطيالس سابلة، وجمع تجار الغلة والخبازين والطحانين، وعقد مجلسا عظيما، وأمر بإحضار واحد من القوم، فدخل فى هيئه عظيمة حتى إذا مثل بين يديه قال له: «ويلك ما كفاك أنك خنت السلطان، واستوليت على مال الديوان، إلى أن أخربت الأعمال ومحقت الغلال، فأدى ذلك إلى اختلال الدولة وهلاك الرعية؟، اضرب رقبته»، فضربت فى الحال وتركه ملقى بين يديه، ثم أمر بإحضار آخر متهم فقال: «كيف تجرأت على مخالفة الأمر لما نهى عن احتكار الغلة، وتماديت على ارتكاب ما نهيت عنه إلى أن تشبه بك سواك فهلك الناس، اضرب رأسه»، فضربت فى الحال، واستدعى آخر، فقام إليه الحاضرون من التجار والطحانين والخبازين وقالوا: «أيها الأمير فى بعض ما


(١) هكذا فى الأصل وفى إغاثة الأمة (امتعض) ص ٢٦.