للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النيل وعدم من يزرع ما شمله الرى، فنزع السعر وتزايد الغلاء وعقبه الوباء حتى تعطلت الأرض من الزراعة، وخيفت السبل برا وبحرا، وتعذر السفر إلا بالخفارة الكبيرة وركوب الغرر، واستولى الجوع لعدم القوت حتى بيع الأردب من القمح بثمانين دينارا، بل بيع الرغيف بسوق القناديل من الفسطاط بخمسة عشر دينارا، وأكلت الكلاب والقطط حتى قلّت فبيع الكلب ليؤكل بخمسة دنانير.

وتزايد الحال فى ذلك حتى أكل الناس بعضهم بعضا، وتحرّز الناس وكانت طوائف تجلس بأعلى البيوت ومعهم شلب وحبال/فيها كلاليب، فإذا مرّ بهم أحد ألقوها عليه ونشلوه فى أسرع وقت وشرحوا لحمه وأكلوه.

ثم آل أمر المستنصر إلى أن باع كل ما فى قصوره من ذخائر وثياب [وأثاث] (١) وسلاح وغيرها وصار يجلس على حصير، وتعطلت دواوينه وذهب وقاره، وكانت نساء القصور يخرجن ناشرات شعورهن يصحن: «الجوع الجوع»!، يردن المسير إلى القرافة (٢)، فيسقطن عند المصلى ويمتن جوعا، واحتاج السلطان حتى باع حلية قبور آبائه.

وجاء الوزير يوما على بغلة فأكلتها العامة، وشنق طائفة منهم فاجتمع الناس عليهم فأكلوهم، والأمر إلى أن عدم المستنصر القوت، وكانت الشريفة بنت صاحب السبيل تبعث إليه فى كل يوم بعقب (٣) من فتيت من جملة ما كان لها من البر والصدقات فى تلك الغلوة، حتى أنفقت ما لها كله، وكان يجلّ عن الإحصاء، فلم يكن للمستنصر قوت سوى ما كانت تبعث به إليه وهو مرة واحدة فى اليوم والليلة.


(١) ما بين الحاصرتين من غياث الأمة ص ٢٥.
(٢) هكذا فى الأصل وفى إغاثة الأمة (القراف) ص ٢٥.
(٣) هكذا فى الأصل وفى إغاثة الأمة (قعب) ص ٢٥.