للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتنقلوا فى المكاتبة إلى كل فن حتى إنه كان يصل إلى السلطان كل يوم ثمانمائة رقعة، فاشتبهت عليه الأمور وانتقضت الأحوال ووقع الا خلاف بين عبيد الدولة، وضعفت قوى الوزراء عن تدبيرهم لقصر مدتهم، فكان الوزير منذ يخلع عليه إلى أن ينصرف لا يفيق من التحرز ممن يسعى عليه.

وكانت الفترات بعد صرف من ينصرف منهم أطول من مدة نظر أحدهم، وتجرؤا حتى خرجوا من طلب الواجبات إلى المصادرة، فاستنفدوا أموال الخليفة القليلة وأخلوا منها خزائنه وأحوجوه إلى بيع أعراضه، فاشتراها الناس بالقيم القليلة، وكانوا يعترضون ما يباع فيأخذ من له درهم واحد ما يساوى عشرة دراهم وربما لا يمكن مطالبته بالثمن. ثم زادوا في الجراءة حتى صاروا إلى تقويم ما يخرج من العروض، فإذا حضر المقومون أخافوهم فيقومون ما يساوى ألفا بمائة وما دونها.

ويعلم المستنصر وصاحب بيت المال بذلك، ولا يتمكنون من استيفاء الواجب عليهم، فتلاشت الأمور، واضمحل الملك، وعلموا أنه لم يبق ما لم يلتمس إخراجه لهم، فتقاسموا الأعمال وأوقعوا التساهم على ما زاد عليه الارتفاع، وكانوا ينتقلون إلى حكم من تغلب.

ودام ذلك بينهم سنوات خمسا أو ستا، ثم قصر النيل فنزعت الأسعار نزوعا بدّد شملهم، وفرّق إلفهم، وشتت كلمتهم، وأوقع الله - تعالى - العداوة والبغضاء بينهم، فقتل بعضهم بعضا حتى أباد خضراءهم، وأعفى آثارهم ﴿فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا﴾ (١).

وفى سنة ٤٥٧، فى أيام المستنصر بالله - أيضا - وقع الغلاء الذى فحش أمره وشنع ذكره، واستمر سبع سنين بمصر، وسببه ضعف السلطنة واختلاف أحوال المملكة واستيلاء الأمراء على الدولة واتصال الفتن بين العرب، وقصور


(١) سورة النمل: آية ٥٢.