للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقول: (لا في حدود الله، كحد الزنا ونحوه)، هذا ما فيها كتاب القاضي إلى القاضي، لو ثبت عند القاضي ما يكتب به إلى القاضي الثاني، ليش؟ قال: لأن في هذا نشرًا للفواحش، بدلًا ما كانت القضية لا يعلمها إلا فلان القاضي الكاتب، صارت الآن ستصل إلى القاضي الثاني، وتُكْتَب في سجلاته، ويكون في هذا نشر للجرائم، وإشاعة للفاحشة، وحينئذٍ لا يُقْبَل كتاب القاضي إلى القاضي فيما هو من حق الله عزّ وجل، كحد الزنا، شرب الخمر، وما أشبه ذلك.

وظاهر كلام المؤلف أن التعزيرات يُقْبَل فيها كتاب القاضي إلى القاضي، والحقيقة أن الذي يُوجِب التعزير فيه أيضًا إشاعة؛ القذف بغير الزنا يوجِب التعزير، ترك صلاة الجماعة يوجِب التعزير، وما أشبه ذلك، وإذا نشرناها بين الناس انتشرت.

ولهذا كان القول الثاني في هذه المسألة -وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، ومذهب مالك- أن كتابة القاضي إلى القاضي تجوز حتى في حقوق الله، حتى في حد الزنا، وشرب الخمر، والسرقة، وترك الصلاة، وغير ذلك، حتى فيما يوجِب التعزير.

وأجابوا عن قولهم: إن الحدود ينبغي فيها الستر؛ إن هذا الرجل الذي فعل ما يقتضي الحكم عليه هو الذي فضح نفسه، وإقامة الحد عليه أمام الناس فيها نشر لجريمته، والحاجة إلى كتاب القاضي إلى القاضي فيما هو من حقوق الله واقعة كما هي في حقوق الآدميين.

قد يكون هذا الذي شرب الخمر ابن عم للقاضي، وثبت عليه شرب الخمر، ولا يستطيع أن يحكم هو على ابن عمه بالجَلْد، أو يستطيع أن يحكم لكن لا يستطيع أن ينفِّذ، يرفع الأمر إلى قاضٍ أقوى منه مركزًا وسلطة.

فالصواب ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية؛ أن كتاب القاضي إلى القاضي مقبول في كل ما يَنْفُذ فيه حكم القاضي من الحقوق التي لله والتي لعباد الله، فإنه يُقْبَل فيها كتاب القاضي إلى القاضي.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>