ومن هنا يظهر السر في قوله تعالى:{وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ}[البقرة: ١٩١]، ما قال: فقاتلوهم قال: {إِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} وهذا يحتمل معنيين: أحدهما: إن قاتلوكم فسيجعل الله لكم التمكين حتى تقتلوهم، فهو كقوله تعالى:{وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ}[الإسراء: ٣٣]، فإن هذا فيه إشارة إلى أن من قتل مظلومًا فسوف يظهر الله قاتله ويقتل؛ ولهذا قال:{فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ}، يكون المعنى: إن قاتلوكم فستكون الدولة لكم عليهم فاقتلوهم، أو أن المعنى -احتمال الآخر-: إن قاتلوكم فاقتلوهم وإن وضعوا السلاح؛ لأنهم بانتهاكهم حرمة المسجد الحرام كانوا مستحقين للقتل.
فالمهم أن هناك فرقًا بين القتال وبين القتل، فهؤلاء البغاة إذا لم يرجعوا فإن الإمام يجب عليه أن يقاتلهم.
وهل يجب على رعيته أن يعينوه على قتالهم؟
طالب: نعم.
الشيخ: نعم، يجب عليهم.
فإن قالت الرعية: نحن لا نقاتل قومًا مسلمين، كيف نقاتلهم؟ كيف نحمل السلاح عليهم؟ قلنا: لأنهم بغاة، فقتالهم من باب الإصلاح، وإذا لم يمكن الإصلاح إلا بقتالهم وجب، فيجب على الرعية طاعة الإمام إذا أمر بالخروج معه لقتال هؤلاء.
بقي أن يقال هنا حال ثالثة؛ لأن المؤلف ذكر حالين؛ حال يكف هؤلاء عن القتال إذا بُيِّن لهم الأمر، وفي هذه الحال ماذا نصنع؟
طالب: نكف عنهم.
الشيخ: نكف عنهم، ما داموا قد كفوا فنكف عنهم.
الحال الثانية: ألَّا يرجعوا، بل يستمروا في الخروج، فحينئذٍ يجب على الإمام أن يقاتلهم، ويجب على الرعية أن يساعدوا الإمام.