الشيخ: قبل أن نتجاوز الأول وهو أن الشارع إذا فرق بين شيئين، فإنه لا نسأل عن الحكمة بينهما؛ لأنه لولا أن بينهما فرقًا، لم يفرق بينهما، وهذا كالأمور القدرية إذا جاءت على خلاف سنة الله عز وجل ما يُسْأَل عنها، ما يقال: لِمَ، ولهذا لما قال زكريا:{رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ}[آل عمران: ٤٠]؛ يعني: ومثلي لا يولد له، ماذا قال الله له:{كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} سلم للسنن الكونية وكذلك للسنن الشرعية.
ولما قيل لعائشة: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ قالت: كان يصيبنا ذلك فنُؤْمَر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة (٢٦).
فإذا فرَّق الشرع بين شيئين فليس من حقنا أن نجادل ونقول: لماذا يكون هكذا هنا وهكذا هنا؟ لأن الله يفعل ما يشاء في الخلق والتقدير، ويَحْكُم بما يشاء في الشرع والتدبير.
الطالب: فالجواب لا يصح القياس لوجوه؛ الأول: أنه قياس في مقابلة النص، وكل قياس في مقابلة النص فهو قياس فاسد؛ وذلك لأنه يقتضي إبطال العمل بالنص، ولأن النص إذا فَرَّق بين شيئين في الحكم، فهو دليل على أن بينهما من الفوارق ما يمنع إلحاق أحدهما بالآخر، ويوجب افتراقهما، سواء علمنا تلك الفوارق أم جهلناها، ومن ظن افتراق ما جمع الشارع بينهما أو اجتماع ما فرق الشارع بينهما فظنه خطأ بلا شك، فإن الشرع نَزَل من لدن حكيم خبير.
الشيخ: يُسَمِّي الأصوليون هذا القياس فاسد الاعتبار؛ يعني غير معتبر، كل قياس في مقابلة النص فإنه قياس فاسد؛ لأن هذا القياس يقتضي إبطال النص.