فالجواب: أن بعض هؤلاء روي عنهم الوجوب، وإذا فرضنا أن لجميعهم قولًا واحدًا، أو أن المتأخر عنهم هو القول بعدم الوجوب، فقد خالفهم مَنْ خالفهم من الصحابة، وعند التنازع يجب الرجوع إلى الكتاب والسنة، وقد جاء فيهما ما يدل على الوجوب كما سبق.
فإن قيل: قد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تَصَدَّقْنَ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ»(٢٢) وهذا دليل على عدم وجوب الزكاة في الحلي؛ إذ لو كانت واجبة في الحلي لما جعله النبي صلى الله عليه وسلم مضربًا لصدقة التطوع.
فالجواب على هذا أن الأمر بالصدقة من الحلي ليس فيه إثبات وجوب الزكاة ولا نفيه عنه، وإنما فيه الأمر بالصدقة حتى من حاجيات الإنسان، ونظير هذا أن يقال: تصدق ولو من دراهم نفقتك ونفقة عيالك، فإن هذا لا يدل على انتفاء وجوب الزكاة في هذه الدراهم.
الشيخ: نحن ذكرنا فيما سبق في أول الرسالة أننا سنجيب عن أدلة القائلين بعدم الوجوب اعتراضًا ثم نرد عليهم، فهنا استدل القائلون بعدم الوجوب بأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال:«تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ» فجعل الصدقة المأمور بها وهي التطوع في الحلي جعلها مضربًا.
والجواب كما سمعتم أن يُقال: إن الأمر بالصدقة من الحلي لا يدل على إثبات وجوب الزكاة في الحلي ولا نفيه كما لو قلت: تَصَدَّقْ ولو من ثيابك التي تلبسها، تصدق ولو من دراهم نفقتك، هذا من باب المبالغة أنك تصدق حتى من الحاجيات، فلو قلت: تصدق ولو من دراهم نفقتك. فهل يعني ذلك أن الدراهم لا تجب فيه الزكاة؟
طالب: لا.
الشيخ: لا؛ لأن وجوب الزكاة فيها من وجه آخر، كذلك هذا الحلي وجوب الزكاة فيه من وجه آخر غير هذا الدليل، فهذا الدليل لا يدل على النفي ولا على الإثبات، إنما يدل على الأمر بالصدقة والحث عليها حتى فيما يحتاجه الإنسان.