لذلك يجب يا إخواننا، أنتم طلبة علم، وإن شاء الله يُرجى لكم أن تكونوا من أهل الفتوى، انتبهوا لهذه المسألة: سياسة الخلق بالحق، فالعلم ليس هو العلم النظري، العلم نظري وتربوي، والنظر للتربية أمْر مهم، وأنا ذكرت لكم أنه من السياسة الشرعية سياسة عمر بن الخطاب، بل حتى القرآن ما هو سياسة عمر بن الخطاب، قال الله تعالى:{وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ}[الأنعام: ١٠٨]، يعني لا يجوز أني أسب بوذا مثلًا لرجل يعبده، لماذا؟ إذا سببته جعل يسب الله، وسبه الله عدوًا بغير علم، وسبي لصنمه حق، لكنه لما كان يترتب عليه محرم مُنِع. إذن انتبهوا لهذه المسألة.
عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما رأى الناس كثُر فيهم: أنتِ طالق، أنتِ طالق، أنتِ طالق، قال: إن الناس قد تعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم (٦). فأمضاه عليهم، وقال: ما يمكن ترجع لزوجتك، لماذا؟ لأنه هو الذي فعل ذلك بنفسه، طلقها ثلاثًا.
بيع أمهات الأولاد، يعني بيع السُّرية إذا جاءت بولد من سيدها، في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام حلال، لكن الناس عندهم خشية من الله، لا يُمكن أن يبيع هذه السرية ولها أولاد منه، فيفرق بينها وبين أولادها، فكانوا لا يبيعون أمهات الأولاد إذا كان هناك ولد يُخشى أن يُفرَّق بينها وبينه، لكن في عهد عمر تجرؤوا، وصاروا يبيعون أمهات الأولاد مع وجود أولادهن الصغار، فمنع من ذلك (٧)، مع أن البيع في الأصل حلال، لكن منع منه؛ لأن الناس تجرؤوا على فعل المحرم به، فمنعه.
هذه سياسة شرعية مستقاة من الكتاب والسنة وسنة الخلفاء الراشدين، وأكثر طلبة العلم لا يهتمون بهذا، ينظرون إلى صورة الواقع بقطع النظر عما يترتب عليه. وهذا نقص في العلم والتوجيه والتربية. نسأل الله لنا ولكم الهداية والتوفيق.