للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ركعتين وهم أكثر ما كانوا وآمنه وعثمان - رضي الله عنه - معه، فلم يكن إتمامه الصلاة بمنًى لأنه أنكر التقصير في السفر ولكن لمعنًى قد اختلف فيه.

فحدثنا أبو بكرة، قال: ثنا حسين بن مهدي، قال: أنا عبد الرزاق، قال: أنا معمر، عن الزهري قال: "إنما صلى عثمان بمنى أربعًا لأنه أزمع على المقام بعد الحج".

فأخبر الزهري في هذا الحديث أن إتمام عثمان - رضي الله عنه - إنما كان لأنه نوى الإقامة، فصار إتمامُه ذلك وهو مقيم قد خرج مما كان فيه من حكم السفر ودخل في حكم الإقامة، فليس في فعله ذلك دليل على مذهبه كيف كان في الصلاة في السفر هل هو الإتمام أو التقصير؟

وقد قال الزهري أيضًا غير ذلك.

فحدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو عمر، عن حماد بن سلمة، قال: أنا أيوب، عن الزهري قال: "إنما صلى عثمان - رضي الله عنه - بمنى أربعًا لأن الناس كانوا أكثر في ذلك العام، فأحبّ أن يخبرهم أن الصلاة أربعٌ".

فهذا يخبر أنه فعل ما فعل ليُعلمَ الأعراب أن الصلاة أربع، فقد يحتمل أن يكون لما أراد أن يُريَهم ذلك نوى الإقامة، فصار مقيمًا فرضه أربع فصلى أربعًا وهو مقيم بالسبب الذي حكاه معمر عن الزهري في الفصل الذي قبل هذا، ويحتمل أن يكون فعل هذا وهو مسافر لتلك العلة.

والتأويل الأول أشبه عندنا، والله أعلم؛ لأن الأعراب كانوا بالصلاة وأحكامها في زمن رسول الله - عليه السلام - أجهل منهم منها وبحكمها في زمن عثمان - رضي الله عنه -، وهم بأمر الجاهلية حينئذٍ أحدث عهدًا، فهم كانوا في زمن رسول الله - عليه السلام - إلى العلم بفرض الصلاة أحوج منهم إلى ذلك في زمن عثمان - رضي الله عنه -، فلما كان رسول الله - عليه السلام - لم يُتمّ الصلاة لتلك العلة ولكنه قصرها ليصلّوا معه صلاة السفر على حكمها ويعلمهم صلاة الإقامة على حكمها ويُعلِّمهم كيف حكمها في

<<  <  ج: ص:  >  >>