ثم ينزل فيجمع بينهما، ويؤخر المغرب حتى يغيب الشفق ثم يجمع بين المغرب والعشاء، قال: فإن قدّم العصر إلى الظهر والعشاء إلى المغرب فأرجو أن لا يكون به بأس. وقال إسحاق: لا بأس بذلك بلا رجاء.
وقال عياض: الجمع بين الصلوات المشتركة في الأوقات يكون تارة سنة وتارة رخصة، فالسنة الجمع بعرفة والمزدلفة، وأما الرخصة فالجمع في المرض والسفر والمطر، فمن تمسك بحديث صلاة النبي - عليه السلام - مع جبريل - عليه السلام -[وقدَّمه](١) ولم ير الجمع في ذلك، ومن خصَّه أثبت جواز الجمع في السفر بالأحاديث الواردة فيه وقاس المرض عليه، فنقول: إذا أُبيح للمسافر الجمع لمشقة السفر فأخرى أن يباح للمريض، وقد قرن الله -تعالى- المريض بالمسافر في الترخيص له في الفطر والتيمم، وأما الجمع في المطر فالمشهور من مذهب مالك إثباته في المغرب والعشاء، وعنه مقولة شاذة: أنه لا يجمع إلا في مسجد رسول الله - عليه السلام - ومذهب المخالف: جواز الجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء في المطر.
وقال أيضًا: وقد اختلف العلماء في الجمع للمسافر مع اتفاقهم على الجمع بعرفة والمزدلفة واتفاقهم على منع الجمع بين الصلوات التي لا اشتراك فيها من العصر والمغرب، والعشاء والصبح والظهر، فرأى الجمع للمسافر بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء جماعة السلف والشافعي وفقهاء أصحاب الحديث، وهو معروف مذهب مالك، واختلف عنه مع القول هل ذلك لمجرد السفر أو حتى يجد به السير أو يخاف فوات أمر، وباشتراط جدّ السير قال الليث والثوري، وباشتراط العدو قال الأوزاعي، وبمجرد السفر قال جمهور السلف وعلماء الحجاز وفقهاء أصحاب الحديث وأهل الظاهر، وأنه يجمع أي وقت شاء من الأولى والآخرة، وأما في غير السفر فقال مالك بالجمع في المطر بين العشائين ولم يَرَ ذلك مالك في الظهر والعصر، وقال الشافعي بالجمع بينهما في المطر الوابل، وبه قال أبو ثور والطبري،
(١) كذا في "الأصل، ك" وهو الأصح، وفي "عمدة القاري": (٥/ ٥٤): وقد أَمَّه.