للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= الوقوع في محظور بترك النكاح فيلزمه حينئدٍ إعفاف نفسه.
وعليه فالراجح ما ذهب الجمهور إليه من عدم الوجوب، وخصوصاً أَنَّه كان في الصحابة من لم تكن له زوجة مع قدرته على النكاح ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلم ذلك ولم ينكر عليهم كما أنه كان في عصر الخلفاء ومن بعدهم من لم يتزوج، ولم ينقل إلينا عن أحدٍ من الخلفاء أنه حتم على من ليست له زوجة أن يتزوج، ولو وقع ذلك لنقل إلينا بالتواتر، لأن هذا مما تعم به البلوى، فَلَمَّا لَمْ ينقل إلينا شيء من ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وخلفائه دَلَّ ذلك عَلى أَنَّ النِّكَاحَ لَيْسَ بِوَاجِب.
ثم إن قول الجمهور أن النكاح مندوب أن الأصل فيه الندب بشرط أن يكون قادراً على ما تحتاج إليه المرأة مِنْ مَهْرٍ ونفقة ووطء ولم يخف على نفسه الزنا بعدمه وقد يخرج عن هذا الأصل لعارض إلى سائر الأحكام.
فيجب إنه خاف على نفسه الزنا إن تَرَكَ النكاحَ وعَجَزَ عَن التَسَرِّي ولم يكفه الصوم لأنه يلزم إعفاف نفسه وصونها عن الحرام، ولو أَدَّى به ذَلِكَ إِلى الإنفاق عليها من حرام أو أدى إلى عَدَمِ الإِنْفَاقِ عليها كما صَرَّح بذلك المالكية وذلك ارتكاباً لأخف الضررين، خصوصاً إن النفقة من حق الزوجة فلها إسقاطها أو يُغْنيه الله من فضله كما قال تعالى: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِه} وليس هذا من باب دفع الحرام بمثله الممنوع شرعاً؛ لأن المفسدة بترك النكاح محققة من بحصول الزنا، والإِنفاق عليها من حرام محتمل، فلا يترك وقع المفسدة المحققة لأخرى محتملة. ويحرم عند عجزه عن الوطء أو النفقة أو تصيعه واجباً إذا لم يخف على نفسه الزنا، ويكره عند عدم الرغبة في إن عطلة عن تطوع ولو رجا النسل.
ويباح عند عدم الرغبة فيه ولم يرج نسلاً ولم يعطله عن تطوع.
واختلف الفقهاء فيمن له شهوة يأمن معها على نفسه الوقوع في الزنا هل الاشتغال بالعبادة أفضل في حقه من الزواج، أو العكس؟.
فذهب الشافعية إلى القول بأن التخلي لنوافل العبادة أفضل له من النكاح، وذهب الجمهور إلى القول بأن النكاح أفضل من التخلي لنوافل العبادة، وقد استدل الشافعية بما يأتي.
أولاً: بقوله تعالى في مدح يحيى عليه السلام "وسيداً وحضوراً" والحضور هو الذي لا يأتي النساء مع القدرة على إتيائهن فمدهم الله به ولو كان النكاح أفضل من التخلي لنوافل العبادة لما مدحه الله بتركه، ويرد هذا بأنه ليس في مدح قال يحيى عليه السلام ما يدل على أنه أفضل من النكاح، فان مدح الصفة في ذاتها لا يقتضي ذم غيرها، إذ إننا لا ننكر فضل التخلي للعبادة، واستحقاق المدح عليه، ولكن نقول إن الاشتغال بالنكاح أفضل، وأيضاً فإن ذلك كان في شريعة سيدنا يحيى عليه السلام وشرعنا وارد بخلافه فهو أول.
وثانياً: قالوا النكاح عقد معاوضة فكان الاشتغال بالعبادة أفضل منه كالبيع ويرد هذا بأن فرق بين البيع والنكاح، فإنما كان التخلي للعبادة أفضل من البيع، لأن البيع لا يشتمل على مصالح النكاح ولا يقاد بها لذلك كان التخلي للعبادة أفضل منه وأما الجمهور فقد استدلوا -بأمر الله تعالى به ورسوله وحثهما عليه.
وأيضاً فقد تمسكوا بما روي في الصحيحين من أن نفراً من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سألوا أزواجه عن عمله في السر فقال بعضهم لا أتزوج النساء، وقال بعضهم لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش، فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فحمد الله وأثنى عليه وقال: "مَا بَالُ أَقْوَامٍ قالوا: كَذَا وكذا =

<<  <  ج: ص:  >  >>