وذهب داود الظاهري إلى القول بوجوبه على القادر على الوطء إن وجد ما يتزوج به وعجز عن التسري. قال ابن حزم: وفرض على كل قادر على الوطء إن وَجَدَ ما يتزوج به أو يتسرى أن يفعل أحدهما فَإِنْ عجز عن ذلك فليكثر من الصوم. استدل داود بالكتاب والسنّة. أما الكتاب فقول الله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ}. ووجه الدلالة من هذه الآية الكريمة أن الله أمر فيها بالنكاح، والأصل في الأمر أن يكون للوجوب فيكون النكاح واجباً. وأما السُّنَّةُ فقوله -صلى الله عليه وسلم-: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ. وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بالصَّوْمِ فَإنَّهُ لَهُ وَجَاءٌ" إلى غيره من الأحاديث الحاثَّة على النكاح. وقد حملوا الأمر في الحديث أيضاً علَى الوجوب. وأما الجمهور فقد قالوا إن الأمر هذا ليس للوجوب وإنما هو محمول على الندب. أما الآية فإن الله تعالى حين أمر بالنكاح علقه على الاستطابة بقوله: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ} والواجب لا يتوقف على الاستطابة. وقال {مَثْنَى وَثُلَاثَ} ولا يجب ذلك بالاتفاق، فَدَلَ ذلك على أن الأمر فيها للندب لا للوجوب وأيضاً فإن الله سبحانه وتعالى خَبَر بَيْنَ النِّكَاحِ وملك اليمين في قوله: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} وملك اليمين ليس بواجب بالإِجماع ولا يصح التخيير بين واجب وما ليس بواجب، لأنَ ذلك فخرج للواجب عن الوجوب. وعليه فيحمل الأمر في الآية على الندب. وأما الحديث فإن أمر فيه من لم يستطع النكاح بالصوم والصوم ليس بواجب في هذه الحال فكذلك النكاح. أو نقول إن الأمر فيه محمول على من يخشى على نفسه =