للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الغَزَالِيُّ: (الثَّانِيَةُ): يُسْتَحَبُّ النِّكَاحُ لِمَنْ تَاقَتْ نَفْسُهُ إِلَيْهَا، وَمَنْ لاَ فَالعِبَادَة لَهُ أَوْلَى (ح)، وَأَحَبُّ المَنْكُوحَاتِ البِكْرُ الوَلُودُ النَّسِيبَةُ الَّتِي لَيْسَتْ لَهُ قَرَابَةٌ قَرِيبَةٌ المَنْظُورُ (و) إِلَيْهَا قَبْلَ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَهُمَا.

قال الرَّافِعِيُّ: فيه مسألتان:

إحداهما: الشخص إما تائق محتاج إلى النكاح، وإما غير تائق، والأول إما أن يجد أُهْبَتَهُ وعدته، أو لا يجد إن وجدها فيستحب له (١) النكاح تَحْصِيْناً للدِّينِ، سواء كان مُقْبلاً على العبادة، أو لم يكن، وإن لم يَجِدْهَا فالأولى ألا يتزوج ويكسر شهوته بالصوم؛ لما رُوِيَ أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةِ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرَجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعُ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ" (٢) فإن لم تنكسر بالصوم لا يكسره بالكافور ونحوه، ولكن يتزوج.


= من هذا الوجه. قال الشيخ البلقيني يحتج لما قاله الرافعي بما أسنده ابن عبد البر في مقدمة الاستيعاب من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تجمعوا بين اسمي وكنيتي فإنما أنا أبو القاسم والله يعطي وأنا أقسم" ويوب عليه الترمذي باب كراهة الجمع بين اسم النبي -صلى الله عليه وسلم- وكنيته ورواه بلفظ "إن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يجمع أحد بين اسمه وكنيته ويسمى محمداً أبا القاسم" وقال حسن صحيح -ثم روى الحديث جابر قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "إذا سميتم بي فلا تكتنوا بي" وقال حسن غريب ثم روي من حديث علي بن أبي طالب أنه قال يا رسول الله أرأيت إن ولد لي بعدك ولد اسميه باسمك وأكنيه بكنيتك قال نعم. فكانت رخصة لي- قال الترمذي صحيح.
(١) قال في الخادم إطلاقه التائق يشمل صوراً منها من عجز عن الحرة وقدر على الأمة وبالاستحباب صرح ابن السمعاني في الاصطلام حكاية عن الحنفية ثم خالفهم وقال إنه على الإِباحة ويشهد له قوله تعالى {وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ} فدل على أنه لا يبلغ مرحلة الاستحباب وأن الصبر عن نكاح الأمة أفضل مطلقاً وقال صاحب الخادم ولعلهم أخذوا الاستحباب من قوله تعالى: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} واللائق استحباب وتعقبه البكري في حاشيته فقال اللائق عدم الاستحباب ومنها الخصي إذا تاقت نفسه. قال في المطلب ولم أرَ من صرح به نعم كلام الغزالي في الإحياء يقتضي استحباب ذلك له إذ قال إنه يستحب النكاح للعنين فإن نبضات الشهوة خفية حتى أَن الممسوح الذي يتوقع له ولد كذلك لا ينقطع الاستحباب في حقه بل يؤمر به كما يؤمر الاصلع بإمرار الموسى على رأسه.
قال الأذرعي في القوت عبارتهم يستحب النكح للتائق الواجد الوجه الجزم بكراهة الترك.
(٢) متفق عليه البخاري [١٩٠٥ - ٥٠٦٥ - ٥٠٦٦، مسلم ١٤٠٠] من حديث ابن مسعود، زاد مسلم في رواية: فلم ألبث حتى تزوجت، وزاد ابن حبان في صحيحه بعد قوله: فإنه له وجاء: وهو الإِخصاء وهو مدرج، والوجاء بكسر الواو والمد، رض الخصيتين، وإن نزعا نزعاً فهو الإِخصاء في الحكم، وفي الباب عن أنس رواه البزار من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت عنه، والطبراني في الأوسط من طريق بقية عن هشام عن الحسن عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>