للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= الثاني وإن احتمل هذين التأويلين إلا أنه في الثاني أظهر بخلاف النص الأول؛ فهو في الأول منهما أظهر فهذان نصان متعاكسان في حد ذاتهما، وإن كانا من حيث السياق لا يحتملان إلا المعنى الأول وإلا لما جعلهما ابن حزم من جملة أخصامه. ويقول النووي: "فرع في مذاهب العلماء في شرط الخيار، وهو جائز بالإجماع واختلفوا في ضبطه فمذهبنا أنه يجوز ثلاثة أيام فما دونها، وبه قال أبو حنيفة، وعبد الله بن شبرمة وهذا النقل يؤخذ منه أن ابن شبرمة موافق للجمهور يمكن تلخيص المهم من أدلة ابن حزم من عرض كلامه الذي صال فيه على الفقهاء جميعاً بلسان لاذع وطعن جارح فيما يأتي:
الدليل الأول: البيع مع اشتراط الخيار باطل لبطلان هذا الشرط؛ لأنه ليس في كتاب الله ولا في سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وكل شرط شأنه كذلك فهو باطل بنص قوله -عليه الصلاة والسلام-: "مَا بَالُ أَقْوَام يَشْتَرِطُونَ شُرُوطاً لَيْسَتْ فِي كتَاب اللهِ. مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطاً لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإنْ اشْتَرَطَهُ مَائَة مَرَّةٍ، وَإِنْ كَانَ مَائَةَ شَرْطٍ. كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، كِتَابُ اللهِ أَحَقُّ. وَشَرْطُ اللهِ أَوْثَقُ" والحديث -وإن لم يتعرض إلا لكتابَ الله- إلا أن سنة رسوله مثله؛ لأن الله أمر بطاعته في كتابه فمن أطاعه فكأنما أطاع الله. ويلاحظ هنا أن ابن حزم ينكر أشد إنكار الأدلة التي ساقها الجمهور تأييداً لمشروعية اشتراط الخيار.
الدليل الثاني: ما روي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لاَ يَفْتَرِقُ بَيْعَانِ إلاَّ عَنْ تَرَاضٍ" وهذا حديث مرسل كما يعترف ابن حزم نفسه، ولكنه يقول: إن القوم يفتخرون باتباع المرسل، والاحتجاج به، وسع ذلك فقد خالفوا هذا الحديث؛ لأن اشتراط الخيار لا يكون منه الرضا بالبيع، وكل من قال بجواز اشتراطه جوز للعاقد أن يفارق صاحبه مع بقاء الخيار فيكون الافتراق لا عن تراض.
الدليل الثالث: يزعم ابن حزم أنه لا يكون هناك بيع إلا ويعقبه انتقال ملك ولا بد. فيقال لهؤلاء القوم. هل ينتقل الملك في زمن الخيار أم لا ينتقل؟ فإن قالوا: لا. فهو عن قولنا. إن هذا البيع غير صحيح. لأنه لا معنى لصحته إلا استتباع آثاره. وإن قالوا: نعم. فلم الخيار، وقد تم البيع وانتقل الملك؟ وإن قالوا ينعقد في حق من ليس له الخيار ولا ينعقد في حق من له الخيار. قيل لهم هذا تخيلط؛ لأنه لا يكون هناك بيع إلا وهناك بائع ومبتاع وقد اقتصرتم على أحدهما.
الدليل الرابع: قياس البيع على النكاح يجامع أن كلاً منهما عقد معاوضة لازم. والنكاح لا يجوز فيه اشتراط الخيار، وهذا أمر مجمع عليه، فكذلك يجب أن يكون البيع. وهذا دليل يورده ابن حزم على الجمهور إلزاماً لأنه غير قائل بالقياس. هذا هو أهم ما يؤخذ من أدلة ابن حزم على إبطاله البيع الذي اشترط فيه الخيار. وله غير هذه الأدلة. آثرنا تركه إما لوضوح بطلانه. وإما لأنه يؤخذ عليه لا له. وهناك أدلة غير هذه أيضاً تذكرها كتب الخلاف ناسية لها إلى من قال بعدم جواز اشتراط الخيار في البيع. نذكرها تتميماً للبحث وإيفاء لحقه. نلخصها فيما يلي:
أولاً: البيع مع اشتراط الخيار غرر. وقد نهى الرسول -عليه الصلاة والسلام- عن بيع الغرر. أما وجه الغرر فيه؛ فلأنه لا يدري أيتم البيع أم ينقص؟ ولا متى يتم؟ وهذه جهالة فاحشة لا =

<<  <  ج: ص:  >  >>