للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَايَعْتَ فَقُلْ لاَ خِلاَبَةَ" (١).

وروي أنَّ ذلك الرجل كان حبان بن منقذ (٢) أصابته أمة في رأسه، فكان يخدع في البيع، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا بَايَعْتَ، فَقُلْ: لاَ خِلاَبَةَ، وَجَعَلَ الْخِيَارَ ثَلاَثاً" وفي رواية، "وَجَعَلَ لَهُ بِذَلِكَ الخِيَارَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ".

وفي رواية "قُلْ: لاَ خِلاَبَةَ وَلَكَ الْخِيَارُ ثَلاَثاً" (٣).

وهذه الروايات كلها في كتب الفقة، ولا تلقى في مشهورات كتب الحديث سوى الرواية المقتصرة على قوله: "لاَ خِلاَبَةَ".

وهذه الكلمة في الشرع عبارة عن اشتراط الخيار ثلاثاً (٤)، فإذا أطلقاها عالمين


(١) أخرجه البخاري (٢١١٧) ومسلم (١٥٣٣).
(٢) هذا أحد القولين فيه، والأشهر أنه منقذ بن عمرو والد حبان، ذكره البخاري في التاريخ، انظر خلاصة البدر (٢/ ٦٦).
(٣) انظر الخلاصة (٢/ ٦٦) التلخيص (٣/ ٢١).
(٤) وخيار الشرط: هو أن يكون للعاقدين، أو لأحدهما حق فسخ البيع أو إمضائه بسبب اشتراطهما أو أحدهما الخيار. مثاله أن يتبايعا على أن الخيار لهما أو للبائع أو للمشتري. والفقهاء على أنه يشترط فيه في المعقود عليه أن يكون معلوماً، فلو قال: بعتك هذين الثوبين على أن تكون بالخيار في أحدهما، فالبيع فاسد للضرر، لجهالة اللازم منهما بسبب جهالة ما فيه الخيار، وأن يكون معيناً فلا يدخل المسلم فيه لعدم تعينه؛ لأنه شرع للحاجة، ولا حاجة في المسلم فيه قبل قبضه تستدعي شرعية هذا الخيار لعدم الوقوف عليه. وألا يشترط قبضه في المجلس كالربوي ورأس مال السلم. لاختلاف اللوازم. لأن لازم وجوب القبض في المجلس عدم جواز تأخيره. ولازم خيار الشرط جواز تأخير القبض حتى يتبين له وجه المصلحة. وهذان لازمان متنافيان. وكذلك شرطوا فيه أن يكون من هو له معلوماً، فلو قال: بعتكما هذه السلعة على أن أحدكما بالخيار، إن شاء فسخ البيع وإن شاء أمضاه، فالبيع غير صحيح لجهالة من يلزمه البيع منهما وجماهير العلماء وأعيان الفقهاء قائلون بمشروعية خيار الشرط وجوازه في الجملة، ولم نقف على مخالف لهم في هذا إلا ابن حزم وحده. وأما الثوري، وعبد الله بن شبرمة، فادعى ابن رشد أنهما مثل ابن حزم. ولكن النقل عنهما مضطرب فبينما نرى ابن حزم يقول في موضع: "وقال ابن شبرمة وسفيان الثوري لا يجوز البيع إذا شرط فيه الخيار للبائع أولهما. وقال سفيان البيع فاسد بذلك فإن شرط الخيار للمشتري عشرة أيام أو أكثر جاز". نراه يقول في موضع آخر: "وتفريق سفيان، وابن شبرمة من كون الخيار للبائع أو لهما فلم يجيزاه، وبين أن يكون للمشتري وحده، فأجازه سفيان لا معنى له". فالنص الأول دال على عدم مشروعية خيار الشرط للبائع، وحده أو مع المشتري، وأما المشتري وحده ففيه احتمالان:
الاحتمال الأول: أنهما متفقان على جوازه له، وإن اختلفا من حيث المدة التي تضرب له.
والاحتمال الثاني: أن يكون سفيان هو القائل بالجواز وحده بدليل إفراده بالذكر آخراً. والنص =

<<  <  ج: ص:  >  >>