للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= احتمالان في المذهبين:
الاحتمال الأول: وهو الصحيح في المذهبين أنه يبطل خياره لقوله: "أَوْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبهِ اخْتَرْ" فإنه غاية لثبوت الخيار، وهذا في حق قائله؛ ولأنه بهذا القول قد جعل لصاحبه ما ملكَه من الخيار فصارت بيده عقدة البيع أصالة عن نفسه ونيابة عن صاحبه.
والاحتمال الثاني: عدم بطلان خياره بل يبقى كما هو كأن لم يصدر منه هذا القول -قاسوه على ما لو جعل لزوجته الخيار في الطلاق فلم تختر شيئاً حيث يكون له طلاقها، ولا يسقط حقه منه بمجرد قوله لها اختاري نفسك إن شئت. وقد أجيب عن هذا القياس بأنه في الطلاق جعل لها مالاً تملك فكان تمليكاً في حقها، فإذا لم تختر شيئاً فلم يوجد القبول الذي لا بد منه في التمليك فيبقى الطلاق على ملك صاحبه لعدم الناقل للملك، وهو العقد المركب من الإيجاب والقبول، ولم يجد سوى الإيجاب من طرف الزوج. وههنا في البيع كل واحد منهما يملك الخيار فكان جعل الخيار لصاحبه إسقاطاً لحقه منه، والأسقاط لا يحتاج إلى قبول الطرف الثاني هذا في التخيبر بعد البيع، أما التخيير معه كأن تبايعا على أن لا خيار مجلس لهما. فمذهب الحنابلة -صحة البيع والشرط. ومذهب الشافعية فيه ثلاثة أوجه؛ وجه بعدم صحة البيع، وهو الأصح في المذهب، ووجه بصحة البيع وبطلان الشرط، وعلى هذا يكون لهما خيار المجلس كما لو لم يشرطا نفيه، ووجه بصحة البيع، والشرط حجة مذهب الحنابلة، والوجه الثالث من مذهب الشافعية هي السنة والمعقول. أما السنة فقوله -صلى الله عليه وسلم-: "فَإنْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَه فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ" وقوله -عليه الصلاة والسلام-: "إلاَّ أَنْ يَكُونَ البَيْعُ كَائناً عَنْ خِيَارٍ، فَإنْ كَانَ البَيْعُ عَنْ خِيَار وَجَبَ البَيْعُ" حيث رتب لزوم البيع على التبايع على الخيار، والمراد به اختيارهما لزوم البيع لا خيار الشرط، وإلا لتنافى مع قوله -عليه الصلاة والسلام-: "فَقَدْ وَجَبَ البَيْعُ". وأما المعقول -فمن وجوه:
الوجه الأول: قياسه على خيار الشرط جاز إسقاطه في المجلس فجاز إسقاطه في العقد، كذلك خيار المجلس جاز إسقاطه في المجلس فجاز في العقد، لأن ما أثر في المجلس أثر في العقد؛ لكون المجلس حريم العقد، وهذا قياس غريب إذ كيف يجوز قياس ما هو حكم العقد على ما لا يثبت إلا بالشرط.
الوجه الثاني: خيار المجلس جعل رفقاً بهما لتدارك ما قد يلحقهما من غبن، فجاز لهما شرط إسقاطه؛ لأنه حقهما.
الوجه الثالث: قالوا: الخيار في أصله غرر جوز للحاجة فجاز إسقاطه دفعاً للضرر. وحجة الوجه الأول من مذهب الشافعية -هو القياس. قالوا: إنه خيار يثبت بعد البيع فلم يجز إسقاطه قبله؛ لأنه إسقاط للشيء قبل تحقق سببه وهو لا يصح. أصله خيار الشفيع يثبت بالبيع فلم يجز إسقاطه قبله، كما لو قال للمشتري: إشتر ولا شفعة لي، فإنه يجوز له الأخذ بالشفعة لعدم صحة هذا التنازل شرعاً، وإذا كان الشرط غير صحيح، فالبيع غير صحيح كذلك. ثم قالوا إن الأحاديث التي استدل بها الحنابلة محمولة على ما بعد البيع. وحجة الوجه الثاني من مذهب الشافعية- هو أن هذا الشرط لا يؤدي إلى الجهل بالعوض أو المعوض فلا يفسد العقد بفساده بل يلغو الشرط ويكون العقد صحيحاً والخيار ثابتاً. =

<<  <  ج: ص:  >  >>