وعلى أن للمنكر أن يرد دليل المُدَّعي، وعلى أن المطلوب من المدعي أن يمنع ما رد به دليله، حتى يَسْلَم دليله من الطعن، وعلى أنه يجوز الاستدلال بالتاريخ عند الحاجة إليه، فقد استدل جرير بتاريخ إسلامه على بقاء حكم المسح على الخفين، وأنه لم ينسخ. أفاده في النهل ج ١ ص ١٢٠.
المسألة الخامسة: في مذاهب العلماء في المسح على الخفين: قال الإمام أبو الوليد ابن رشد ني كتابه بداية المجتهد: فأما الجواز: يعني جواز المسح على الخفين- ففيه ثلاثة أقوال: القول المشهور أنه جائز على الإطلاق، وبه قال جمهور فقهاء الأمصار.
والقول الثاني: جوازه في السفر دون الحضر.
والقول الثالث: منع جوازه بإطلاق، وهو أشدها. والأقاويل الثلاثة مروية عن الصدر الأول، وعن مالك. والسبب في اختلافهم ما يظن من معارضة آية الوضوء، وهذا الخلاف كان بين الصحابة في الصدر الأول، فكان منهم من يرى أن آية الوضوء ناسخة لتلك الآثار.
وهو مذهب ابن عباس، واحتج القائلون بجوازه بما رواه مسلم انه كان يعجبهم حديث جرير، وذلك أنه روى أنه رأى النبي عليه الصلاة والسلام يمسح على الخفين، فقيل له: إنما كان ذلك قبل نزول المائدة، فقال: ما أسلمت إلا بعد نزول المائدة. وقال المتأخرون القائلون بجوازه: ليس بين الآية والآثار تعارض، لأن الأمر بالغسل إنما هو متوجه إلى من لا خف له، والرخصة إنما هى للابس الخف. وقيل: إن تأويل قراءة الأرجل بالخفض، هو المسح على الخفين. وأما من فرق بين السفر والحضر: فلأن كثر الآثار والصحاح الواردة في مسحه عليه الصلاة والسلام إنما كانت في السفر، مع أن السفر مشعر بالرخصة