للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القوة الفعالة عند الفلاسفة تحصل للساحر

وكذلك ما أثبتوه من القوّة الفعّالة المتصرّفة: هي عندهم تحصل للساحر، وغيره؛ وذلك أنّهم لا يعرفون الجن والشياطين، وقد أخبروا بأمور عجيبة في العالم، فأحالوا ذلك على قوة نفس الإنسان، فما يأتي به الأنبياء من الآيات والسحرة والكهان، وما يخبر به المصروع والممرور: هو عندهم كله من قوة نفس الإنسان؛ فالخبر بالغيب: هو لاتصالها بالنفس الفلكية؛ ويسمونها اللوح المحفوظ١. والتصرّف: هو بالقوة النفسانية. وهذا حذق ابن سينا وتصرفه، لمّا أخبر بأمور في العالم غريبة، لم يمكنه التكذيب بها؛ فأراد إخراجها على أصولهم، وصرّح بذلك في إشاراته، وقال: هذه الأمور لم نثبتها ابتداءً، بل لمّا تحققنا أن في العالم أموراً من هذا الجنس، أردنا أن نبيّن أسبابها.

أرسطو وأتباعه لم يعرفوا الأنبياء وآياتهم ولكن السحر موجود فيهم

وأما [أرسطو] ٢ وأتباعه: فلم يعرفوا هذه الأمور الغريبة، ولم يتكلموا عليها ولا على آيات الأنبياء، ولكن كان السحر موجوداً فيهم. وهؤلاء من أبعد الأمم عن العلوم الكلية، والإلهية؛ فإنّ حدوث هذه الغرائب من الجن، واقترانهم بالسحرة والكهان، مما قد عرفه عامة الأمم، وذكروه في كتبهم، غير العرب؛ مثل الهند، والترك، وغيرهم؛ من المشركين، وعباد الأصنام، وأصحاب الطلاسم والعزائم، وعرفوا أنّ كثيراً من هذه الخوارق هو من الجن والشياطين. وهؤلاء الجهال لم يعرفوا ذلك، ولهذا كان من


١ انظر من كتب ابن تيمية: الرد على المنطقيين ص ٤٧٤-٤٨٠، ٥١٢-٥١٣. وكتاب الصفدية ١٣٤. وبغية المرتاد ص ٣٢٦. وقد سبق ذكر نحو من هذا الكلام في ص ٤٦٦ من هذا الكتاب.
٢ في ((خ)) : أرسطوا.

<<  <  ج: ص:  >  >>