للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكون لأحدهم من العلم والعبادة، ما يتميز به على غيره من الكفار، ويحصل له بذلك حدس وفراسة يكون أفضل من غيره.

وأما التخييل في نفسه: فهذا حاصل لجميع الناس الذين يرون في مناماتهم ما يرون، لكن هو يقول: إن خاصة النبي أن يحصل له في اليقظة ما حصل لغيره في المنام.

وهذا موجودٌ لكثيرٍ من الناس؛ قد يحصل له في اليقظة ما يحصل لغيره في المنام.

ويكفيك أنّهم جعلوا مثل هذا يحصل للممرور، وللساحر، ولكن: قالوا: الساحر قصده فاسد، والممرور ناقص العقل، فجعلوا ما يحصل للأنبياء، من جنس ما يحصل للمجانين والسحرة. وهذا قول الكفّار في الأنبياء؛ كما قال تعالى: {كَذَلكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُون أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُون} ١.

الفرق بين الرسول والساحر عند الفلاسفة

وهؤلاء عندهم ما يحصل للنبي من المكاشفة٢ والخطاب، هو من جنس ما يحصل للساحر والمجنون، لكن الفرق بينه وبين الساحر: أنّه يأمر بالخير، وذاك يأمر بالشرّ٣، والمجنون ما له عقل.

وهذا القدر الذي فرّقوا به موجودٌ في عامّة النّاس، فلم يكن عندهم للأنبياء مزية على السحرة والمجانين، إلاَّ ما يشاركهم فيه عموم المؤمنين.


١ سورة الذاريات، الآية ٥٢.
٢ سبق بيان معنى المكاشفة في ص ٢٤٦ من هذا الكتاب.
٣ انظر نحواً من هذا الكلام في كتب ابن تيمية: كتاب الصفدية ١١٤٣-١٧٨. وشرح الأصفهانية ٢٥٠٤، ٦٣٢. والرد على المنطقيين ص ٣٢٢. وقد تقدم ذلك قريب من هذا المعنى في ص ١٥٦، ٧٣٣ من هذا الكتاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>