للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

على مقدارِ فَهْمِ المُخاطَبينَ من أهل الدُّنْيَا، على ما يفهمونَ من شَأْنِ الخارج من الدُّنْيَا، أنه لابد من عَوْد روُحِه إليه حتى يَسْمَعَ ويُجِيبَ، كأنه قال: أنا أُجِيبُ ذلك بِتَمَامِ الإجابةِ، وأَسْمَعُ ذلك تمام السَّمَاعِ، فلا تَرْتَابُوا فيه.

أو يُقالُ -كما قال الشَّيخُ أبو سليمان (١) رحمه الله-: إن هذا إِعْلامٌ بثبوت وَصْفِ الحياة دائِماً؛ لِثُبوتِ رَدِّ السَّلامِ دائِماً؛ لثبوت السَّلامِ دائماً، فَوَصْفُ الحياةِ لازمٌ لرَدِّ السَّلامِ اللازمِ، واللازِمُ يَجِبُ وجودُه عند وجودِ مَلْزُومِه أو ملزومِ مَلْزُومِه، فوَصْفُ الحياةِ ثَابِتٌ دائماً؛ لأن مَلْزُومَ مَلْزُومِه ثَابِتٌ دَائماً، وهذا من نُفاثاتِ السحر البياني في إثبات المقصود بِأَكْمَلِ أَنْوَاعِ البَلاغةِ، وأَجْمَلِ فنونِ البراعَةِ، التي هي قَطْرَةٌ من بِحَارِ بلاغَتِهِ العُظْمَىصلّى الله عليه وسلّم (٢).

أو يقالُ: إن ذلك عبارةٌ عن إقْبَالٍ خَاصٍّ والْتِفَاتٍ روحَانيٍّ، يَحْصُلُ من الحَضْرَةِ النَّبَويةِ صلّى الله عليه وسلّم إلى عالمِ الدُّنْيَا وقوالبِ الأجْسَادِ البَرّانية، وتَنْزِلُ إلى دَوَائرِ البشريةِ، حتى يَحْصُلَ عند ذلك رَدُّ السَّلامِ، وشُهُودُ عَرْضِ أعمالِ الأُمَّةِ (٣)، وغيرُ ذلكَ، ويكون رَدُّ السَّلامِ كما كان صلّى الله عليه وسلّم في حال كونِهِ في الدُّنْيَا.

وإن صَعُبَ عليه فَهْمُ ذلك، فاذكر سَلامَ جِبريلَ عليه السَّلامُ على عَائِشَةَ رضي الله عنها حيثُ سَلَّمَ عليها ولم تره ولم تَسْمَعْ سَلامَهُ، فبلَّغَهَا صلّى الله عليه وسلّم بقوله:


(١) هو الخطابي، وقد تقدمت ترجمته.
(٢) المواهب اللدنية ٤/ ٥٨٦.
(٣) عن أوس بن أبي أوس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن من أفضل أيامكم يومَ الجمعة فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضةٌ علي» الحديث. أخرجه أبو داود، في الجمعة، باب تفريع أبواب الجمعة، رقم:١٠٤٠، وابن ماجه، في الجمعة باب في فضل الجمعة، رقم:١٠٨٥، وأحمد ٤/ ٨، والحاكم ١/ ٢٧٨، وغيرهم. وصححه الحاكم والذهبي.