للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الآية على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو واقف بعرفة حين وقف موقِفَ إبراهيمَ، واضمحَلَّ الشِّرْكُ، وهُدِّمَتْ منارُ (١) الجاهلية، ولم يَطُفْ بالبيت عُريان. وكذا قال قَتَادة وغيرُه. وقد قيل: إنه لم ينزل بعدَها تحليلٌ ولا تحريمٌ؛ قاله أبو بكر بن عياش.

وأمَّا إتمامُ النِّعمة فإنَّما حصل بالمغفرة، فلا تتم النِّعْمَةُ بدونها، كما قال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} (٢)، وقال تعالى في آية الوضوء: {وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ} (٣). ومن هنا استنبط محمد بن كعب القرظيُّ بأنَّ الوضوءَ يكفِّر الذنوب، كما وردت السُّنَّة بذلك صريحًا. ويشهَدُ له أيضًا أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلًا يدعو ويقول: للهم إني أسألك تمامَ النِّعمة. فقال له: "تمامُ النِّعْمةِ النجاةُ مِن النَّار، ودخولُ الجنة" (٤). فهذه الآية تشهَدُ لما رُوِي في يوم عرفَةَ أنَّه يومُ المغفرة والعِتق من النار.

فيوم عرفة له فضائل متعددة:

منها: أنَّه يومُ إكمال الدِّين وإتمام النِّعمة. ومنها: أنَّه عيدٌ لأهل الإسلام، كما قاله عُمَرُ بن الخطاب وابنُ عباس؛ فإنَّ ابن عباس قال: نزلَتْ في يوم عيدين؛ يوم جمعة ويوم عرفة (٥). ورُوِي عن عمر أنَّه قال: وكلاهما بحمد الله لنا عيد. خرَّجه ابنُ جرير في تفسيره (٦). ويشهَدُ له حديثُ عقبة بن عامر المتقدِّم، لكنَّه عيدٌ لأهل الموقف خاصَّةً. ويُشرَعُ صيامُه لأهل الأمصار عند جمهور العلماء، وإن خالف فيه بعض السلف. ومنها: أنَّه قد قيل: إنه الشفْع الذي أقسَمَ الله به في كتابه، وأنَّ الوَتْرَ يومُ النَّحْر. وقد رُوِي هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث جابرٍ. خرَّجه الإمام أحمد (٧) والنسائي في تفسيره. وقيل: إنَّه الشاهد الذي أقسم الله به في كتابه، فقال تعالى:


(١) في ش: "منازل".
(٢) سورة الفتح الآية ٢.
(٣) سورة المائدة الآية ٦.
(٤) أخرجه الترمذي رقم (٣٥٢٧) باب رقم (٩٤) عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، وفي سنده أبو الورد بن ثمامة بن حزن القشيري البصري، لم يوثقه غير ابن حبان، وباقي رجاله ثقات. وكذلك رواه الإمام أحمد في "مسنده" ٥/ ٢٣١ ولفظه عند الترمذي: "فإنَّ من تمام النعمة دخول الجنة، والفوز من النار".
(٥) أخرجه ابن جرير في تفسيره ٩/ ٥٢٥ - ٥٢٦.
(٦) تفسير الطبري ٩/ ٥٢٤ - ٥٢٥.
(٧) مسند أحمد ٣/ ٣٢٧ وانظر تفسير القرطبي ٢٠/ ٤٠.

<<  <   >  >>