للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"يَوْمُ عرفةَ، ويومُ النَّحر، وأيام التشريق عيدُنا أهلَ الإسلام، وهي أيام أَكْلٍ وشُرْب". خرَّجه أهل السنن (١) وصححه الترمذي. ولهذا لا يُشرَعُ لأهل الموسم صومُ يوم عرفة؛ لأنَّه أوَّلُ أعيادهم وأكبَرُ مجامعِهم، وقد أفطره النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرفة والناسُ ينظرون إليه. وروي عنه أنَّه نَهى عن صوم يوم عرفة بعرفة. وَرُوي عن سفيان بن عُيَينة أنَّه سئل عن النهي عن صيامِ يوم عرفة بعرفة، فقال: لأنهم زُوَّار اللهِ وأضيافُهُ، ولا ينبغي للكريم أن يجوِّع أضيافَه. وهذا المعنى يوجد في العيدين وأيام التشريق أيضًا؛ فإنَّ الناس كُلَّهم فيها في ضيافة الله عزَّ وَجَلَّ، لا سيما عيدَ النَّحْر؛ فإنَّ الناس يأكلون من لحوم نُسُكهم؛ أهل الموقف وغيرهم.

وأيام التشريق الثلاثة هي أيام عيدٍ أيضًا، ولهذا بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - مَن ينادي بمكَّة أنها أيام أكْلٍ وشُرْبٍ وذكرِ الله عزَّ وجلَّ، فلا يصومَنَّ أحَدٌ. وقد يجتمع في يومٍ واحدٍ عيدان، كما إذا اجتمع يوم الجمعة مع يوم عرفة أو يوم النَّحْر، فيزداد ذلك اليوم حُرْمةً وفضلًا؛ لاجتماع عيدين فيه. وقد كان ذلك؛ اجتمع للنبي - صلى الله عليه وسلم - في حجته يوم عرفة، فكان يوم جمعة، وفيه نزلت هذه الآية {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (٢). وإكمال الدين في ذلك اليوم حَصَلَ من وجوهٍ.

منها: أن المسلمين لم يكونوا حجُّوا حجَّةَ الإسلام بعد فرض الحجِّ قبلَ ذلك، ولا أحدٌ منهم؛ هذا قولُ أكثرِ العلماء أو كثيرٌ منهم؛ فكمُل بذلك دينُهم لاستكمالهم عَمَلَ أركان الإسلام كلِّها.

ومنها: أن الله تعالى أعاد الحجَّ على قواعِدِ ابراهيمَ عليه السلام، ونفَى الشرك وأهلَه، فلم يختلطْ بالمسلمين في ذلك الموقف منهم أحدٌ. قال الشعبي: نزلتْ هذه


(١) رواه أبو داود رقم (٢٤١٩) في الصوم: باب صيام أيام التشريق، والترمذي رقم (٧٧٣) في الصوم: باب ما جاء في كراهية الصوم في أيام التشريق، والنسائي ٥/ ٢٥٢ في المناسك: باب النهي عن صوم يوم عرفة، وإسناده حسن. وكذلك رواه الإمام أحمد في "المسند" ٤/ ١٥٢.
(٢) سورة المائدة الآية ٣.

<<  <   >  >>