للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومنها عند الحنابلة: "الضرورة المبيحة؛ هي التي يخاف التلف بها إن ترك الأكل. قال أحمد: إذا كان يخشى على نفسه، سواء كان من جوع، أو يخاف إن ترك الأكل عجز عن المشي، وانقطع عن الرفقة فهلك، أو يعجز عن الركوب فيهلك" (١).

ومن تعريفات المعاصرين: " أن تطرأ على الإنسان حالة من الخطر، أو المشقة الشديدة، بحيث يخاف حدوث ضرر، أو أذى بالنفس أو العضو، أو بالعرض، أو بالعقل، أو بالمال، وتوابعها" (٢).

فمفهوم الحاجة والضرورة تطور من عصر الجويني إلى العصور التي تليه، فالحاجة صارت تعني مجرد المشقة دون أن يترتب عليها ضرر، والضرورة التي قسمها الجويني ثلاثة أقسام أصبحت قسمًا واحدًا، فالقسم الذي تبيحه الحاجة، والقسم الذي تبيحه الضرورة، أصبح كله داخلًا في الضرورة، وإطلاق قاعدة "الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة الخاصة"، دون مراعاة للتطور في مفهوم الحاجة، والضرورة، ودون مراعاة لأقسام الضرورة، يوقع في إشكال من حيث إن الحاجة التي كانت بعيدة من الضرورة في عصر الجويني، صارت تتنزل منزلة الضرورة في قسمها الأول فتبيح من الحرام ما لا تبيحه إلا الضرورة، مع أن الجويني ذكر أن الحاجة -التي تنزل منزلة الضرورة، والتي هي داخلة في مفهوم الضرورة عند غيره، لا تبيح ما تبيحه الضرورة مما بعُد عن الحل؛ كأكل الميتة، وأكل مال الغير.

الأمر الثالث: أن الجويني ذكر أمثلةً للحاجة العامة التي تنزل منزلة الضرورة الخاصة في إباحة المحظور، وهي: تصحيح الإجارة (٣)؛ "فإنها مبنية على مسيس الحاجة إلى المساكن


(١) المغني، لابن قدامة ٩/ ٤١٥.
(٢) نظرية الضرورة الشرعية، لوهبة الزحيلي، ص ٦٧ - ٦٨.
(٣) انظر: نهاية المطلب، للجويني ٨/ ٦٧، البرهان، للجويني ٢/ ٧٩.

<<  <   >  >>