للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما بَعده بالخَبَرِ فمن قَرأَه برفعِ ما بَعده فقد جَرَى على الأصلِ، ومن نَصَبَه فقد أَخرجَ هذا الضَّمير عن أصلِه، وجَعَلَه حَرفًا مُؤذنًا بأنَّ ما بَعده خَبَرٌ لا صِفَةٌ، وتَقولُ: كأنَّ زَيدًا قائِمةٌ جارِيَتُهُ، ولو أدخلتَ اللَّامَ لقلتَ: كأنَّ زَيدًا القائِمةُ جارِيَتُهُ، فلَكَ أن تَأتي بالفَصل في هذا فَتَقُولُ: كأنَّ زَيدًا هو القائِمةُ جارِيَتُهُ، وكان الكِسائِيّ يُجِيزُ كأنَّ زَيدًا هي القائمةُ جارِيتُهُ قالَ ابنُ السَّرَّاجِ (١): وهذا لا يَجوزُ عِندي، ولا عِندَ الفَرَّاء من قِبَلِ أنَّ الفَصلَ يَنْبَغِي أن يكونَ هو الأوَّلُ والثَّاني جَميعًا. فإن سألتَ: ففي الفَصلِ، الأوَّلِ ليسَ هو الثَّاني؟ أَجبتُ: بَل هو هو ومعنَى الكَلامِ كانَ زيدٌ هو الرَّجلُ الذي قامت جارِيتُهُ.

قالَ جارُ الله: "فَصل؛ ويقدِّمون قبلَ الجُملةِ ضَميرًا يُسمى ضَميرَ الشَّأنِ والقِصَّةِ، وهو المَجهولُ عندَ الكوفيِّين، وذلك نَحو قولِكَ: هو زَيدٌ مُنْطَلِقٌ أي الشَّأنُ والحَدِيثُ زَيدٌ مُنْطَلِقٌ .. منه قوله عَزَّ وَجَلَّ (٢) {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وَيَتَّصِل بارِزًا في قولِكَ ظَنَنْتُهُ زَيدٌ قائِمٌ، وحَسِبتُهُ قام أخوك وإِنه أمةُ اللَّه ذاهِبةٌ، وإنه من يَأتِنا نأتِهِ وفي التَّنزيلِ (٣): {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} (٤) ".

قَالَ المُشَرِّحُ: معنى الآيةِ الشَّأنُ والقِصَّةُ اللَّهُ أحدٌ، وكذلِكَ ظننتُ الشَّأنَ والقِصَّةَ زَيدٌ قائِمٌ. فإن سَألتَ: لِمَ لا تَكونُ الهَاءُ ها هُنا ضَميرَ الظَنَّ كما في قَولك: عبدُ اللَّهِ أظُنُّه مُنْطَلِقٌ أَجبتُ: لأنَّ فِعْلَ القَلب ها هُنا مُقَدَّمٌ على المَفعولِين فلا يَجوزُ إلغاؤُه، ولو جَعَلتهُ ضَميرَ الظَّنّ لكانَ الفِعلُ مُلْغىً بِخلافِ ما إذا جَعلتُه ضَميرَ الشَّأنِ، فإنَّه يكونُ أحدُ المفعولين هذا الضَّميرَ، والمفعولُ الثَّاني هو الجُملةُ الابتدائيةُ.


(١) الأصول: ٢/ ١٣٠.
(٢) سورة الصمد: آية: ١.
(٣) سورة الجنّ: آية: ١٩.
(٤) في (ب).

<<  <  ج: ص:  >  >>