للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ جارُ اللَّه: ومُسْتكنًّا في قولِهِم: ليس خَلَقَ اللَّهُ مثلَه، وكان زيدٌ ذاهبٌ، وكان أَنت خيرٌ منه.

قالَ المشرّحُ: اعلَم أنَّ كان ها هُنا عندَ النَّحويين هي النَّاقِصةُ، واسمها ما استَكَنَّ فيها من ضَمِيرِ الشَّأنِ والجُمْلَةُ الابتدائيَّةُ وهي زيدٌ ذاهِبٌ في مَقامِ الخَبَرِ. وكذلك كان أَنتَ خَيرٌ منه. اسم كانَ مستكنٌ فيها وهو ضميرُ الشأنِ والقصةِ، والجملةُ الابتدائيةُ [و] هي أنت خَيرٌ منه خبرُ كان، وهكذا ليس خَلَقَ الله مثله، اسم ليس مُسْتَكِنٌّ فيها، والجُملةُ الفِعْلِيَّة بَعدَها في مَحَلّ النَّصب على أنَّها خَبرُ لَيس. وعِندي أنَّ كان في الموضعين (١) هي التَّامة، والجُملةُ بعدَها مَحْكِيَّةٌ، والمعنى وَقَعَ هذه الواقِعَةُ، وهي أنَّ (٢) زَيدًا ذاهِبٌ، أو ثَبَتَ هذا الشَّأنُ، وهو أنتَ خيرٌ منه وأمَّا قولهم: لَيسَ خَلَقَ اللَّهُ مثلَه فمن باب تَوجيهِ الفِعلين إلى اسمٍ واحدٍ، وإسنادُ أحدِهما إلى الظَّاهِرِ، والآخرُ إِلى ضَمِيرِه، ونحوه: ما زالَ يُفتي أَبو حنيفة.

قالَ جارُ اللَّه: و {كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ} (٣).

قالَ المُشَرِّحُ: في كادَ ضَميرُ الشَّأنِ والقَصدِ على أنَّه اسمُ كاد "يزيغُ قلوب فَريقٍ منهم" خبرُ كادَ. فإن سألتَ: أصلُ إِضمارِ الشَّأن والقَصّةِ في الابتِداء نَحو قولِهِ: {هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وقوله تَعالى (٤): {فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا} ثم يَدْخُلُ على المُبتدأ الذي هو ضَميرُ القِصَّةِ العواملُ الدَّاخِلَةُ على المُبتدَأ أجبتُ: لَمَّا لَزِمَ الخَبَرُ لها أشْبَه العَوَامِلَ الدَّاخلةَ على المبتدأ. فإن سَألتَ: فهل يَجوزُ أن يكونَ في "عَسى" ضَميرُ الشأنِ والقِصَّةِ وهذا لأنَّ "عسى" من أخواتِ كادَ أجبتُ: لا يَجوزُ لأنَّ فاعلَ "عَسى"


(١) في (ب) الصورتين.
(٢) في (ب).
(٣) سورة التوبة: آية: ١١٧.
(٤) سورة الأنبياء: آية: ٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>