للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معنى المُبالغةِ في الجملةِ الخبريَّةِ بتحقيقِ معنى الابتداءِ فيها، وهذا لأنَّ قولنا: زيدًا ضربتُه آكدُ من قولِنا: ضربتُ زيدًا، وتحقيقُ معنى الابتداءِ فيها عندَ ورودِ أحدِ المعنيين مُتَعَذِّرٌ، وذلك لأنَّه ينفسحُ فيهما عندَ ورودِ معنى المجازاة عليها معنى الابتداءِ، لأنَّ حرفَ المجازاةِ حقُّه أن يدخلَ على الفعلِ حقيقةً، إذ معنى المجازاةِ ليس إلَّا أن يُقال: إن كان كَذا، وذلك يقتضي دخولَ حرفِ المجازاةِ على الفعلِ حقيقةً، وإذا لم يَدخُلُ عليه حقيقةً وَجَبَ أن يَدخُلَ عليه تقديرًا، ولن (١) يدخلَ عليه تقديرًا إلَّا إذا انتَصَبَ زيدٌ، وكذلك إذا قُلنا: أَزيدٌ ضربتُهُ، لأنَّ المنصوبَ ها هنا فيما وَرَاءَ الاستفهامِ أَفهَمُ الوجهين، كما أنَّ المرفوعَ أَبلغُهُما.

ففي حالةِ الاستفهامِ يلزمُ أَفهَمُهُما ضرورةَ أنه ملزمٌ بخلافِ غيرِ هذه الحالةِ. فإن سألتَ: فإذا لَزِمَ انتصابُ زيدٍ فما الناصبُ له؟ أجبتُ: الناصبُ له ذلك الفِعلُ الذي يَلِيه. فإن سألتَ: لِمَ (٢) انتصبَ الضميرُ المُتَّصلُ بالفعلِ؟ أجبتُ على البَدَلِ من زيدٍ وهو بعينهِ مذهبُ الكوفيين، ويشهدُ لصحةِ البدلِ ها هنا أنَّ هذا الكلامَ يتأتّى فيه جميعُ أنواعِ البدلِ، فإذا قلتَ زيدٌ ضربتُه فهو بدلُ الكلِّ من الكلِّ، وإذا قلتَ ضربتُ زيدًا رأسَه فهو بدلُ البعضِ من الكلّ، وإذا قلتَ: ضربتُ زيدًا أخاه فهو بدلُ الاشتمالِ، وكذلك لو قلتَ: زيدًا ضربتُ عمرًا لكانَ بَدَلَ الغَلَطِ، ويشهدُ بصحةِ هذا النوعِ من البدل مسألةُ نداءِ (٣) التكريرِ كما يجوزُ أن تقولَ: رأيتُ (٤) زيدًا عمرًا فغلطتَ فتداركتَ. والذي يدلُّ على أنَّه منصوبٌ بمقدرٍ مضمرٍ قبلَ هذا المنصوبِ، أنَّكَ لو قلتَ: كم رجلًا رأيتُه لجازَ، ومن المُحَالِ أن ينتَصِبَ بفعلٍ مقدَّرٍ قبلَ هذا المنصوب وهو كَم، لأنَّ من شأنِ


(١) في (ب) ولا.
(٢) في (ب) فلم.
(٣) في (أ) يدا البرمي.
(٤) في (أ) فقط.

<<  <  ج: ص:  >  >>