للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَعْبدُ وإيَّاك نَسْتَعِينُ، ونَعبدكَ ونستعينُكَ، كذلك فُرِّق ها هُنا بينَ زيدٌ فعلَ وفعلَ زيدٌ ويشهُد لما ذكرناه قوله تعالى (١): {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٤٠) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ … } ولم يقل بل تَدعونَ إيَّاهُ.

فإِن سألتَ: لو كانَ ارتفاعُه بالابتداءِ لزم منه تنكيرُ المبتدأِ في قوله تعالى: رجالٌ وضارعٌ في بيتِ الكتابِ، وذلك لا يجوزُ، ولأنَّ قوله تعالى (٢): {أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَاإِبْرَاهِيمُ (٦٢) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} (٣) يدلُّ على ارتِفاعِهِ بالفاعلِيَّةِ أجبتُ: قوله: لو كان ارتِفاعُه بالابتِداء للزمَ تنكيرُ المبتدأِ، قلنا: لا نُسَلِّمُ وهذا لأنَّ المبتدأَ في مثلِ هذا المَقام، وإن كانَ منكرًا صورةً فهو معرَّفٌ (٣) معنَى بدليلِ أنَّك إذا قُلتَ في قوله ليُبكَ يزيدٌ من تَبكيهِ؟ فكأنَّك قلتَ: هذا الشَّخصُ من تَبكيه، أم ذلك الشخص، ثُم إذا قيلَ لَك ضارعٌ لخصومةٍ فكأنَّه قيلَ هذا الشخص تَبكيه، ونظيرُ هذا التقرير قوله: أرجلٌ في الدارِ أم أمرأةٌ، فإن المبتدأ فيه وهو رجلٌ وكذلك امرأةٌ وإن كان منكرًا من حيثُ الصُّورةُ فهو معرَّفٌ (٤) من حيثُ المعنى وذلك جائزٌ، [فكذلك ها هنا] (٥). وأما الآيةُ فليس من قبيلِ ما نحن بصدده، لأنَّه ليس إختِيَارَ أحدِ القِسمين بل هو اعتراضُ نَمَطِ الكلامِ الأولِ، ورَدعٌ عن الإِقدامِ عليه واستِبَاقُ كلامٍ آخرَ ويبنيَه على أنّه ليس في عِدَادِ (٦) مرتَبَتِهِم بذاك.

ومما يجانسُ الآية المتقدّمة قراءةُ مَن (٧) قرأ: - {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ


(١) سورة الأنعام: آية: ٤١، ٤٢.
(٢) سورة الأنبياء: آية: ٣٦، ٣٧.
(٣) في (ب).
(٤) في (أ) معروف.
(٥) في (ب) فكذا هذا.
(٦) في (ب) أعداد.
(٧) هي قراءة ابن عامر. انظر معاني القرآن للفراء: ١/ ٣٥٧، والكشاف: ١/ ٥٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>