الفقيه الولي، توفي في سنة خمس وستين وسبعمائة؛ انتهى.
وممن انتفع به ونال بركته الولي العارف بالله سيدي أبوعبد الله ابن عباد شارح الحكم، وقد ترجمناه في هذا الكتاب.
وقال ابن عباد المذكور في رسائله: وقد كنت قدماً خرجت في يوم مولده صلى الله عليه وسلم صائماً إلى ساحل البحر، فوجدت هناك سيدي الحاج ابن عاشر رحمه الله تعالى وجماعة من أصحابه معهم طعام يأكلونه، فأرادوا مني الأكل، فقلت: إني صائم، فنظر إلي سيدي الحاج نظرة منكرة، وقال لي: هذا يوم فرح وسرور يستقبح في مثله الصوم كالعيد، فتأملت قوله فوجدته حقاً، وكأنه أيقظني من النوم؛ انتهى.
وقال ابن قنفذ السابق في رحلته ما صورته: وكان ابن عاشر رحمه الله تعالى فريداً في الورع، ميسراً عليه في ذاك أتم تيسير، محفوظاً من كل ما فيه شبهة، كثير النفور من الناس، وخصوصاً أصحاب الولاية في الأعمال، وخرجت على يده تلامذة نجباء أخيار، وطريقه أنه جعل " إحياء علوم الدين " بين عينيه، واتبع ما فيه بجد واجتهاد، وصدق وانقياد، وكان الحجة في ذلك الطريق، وأول اجتماعي به نفر مني، فحبسته بيدي وهززته، فتبسم ووقف معي، وسألني عن نسبي، ودعا لي، وطلبته بما يطمعني، فاعتذر لي بالإقلال، ثم قال: أمهل، فدخل وأخرج لي حبات تين يا بسة في يده اليمنى، وغطاها باليد اليسرى، ودفعها إلي، وضحك معي، وعجب الحاضرون من ليانته وانشراحه معي، لأنه لا ينبسط إلى أحد، وحصل لي بذلك فخر لا يدري قدره إلا من حاول بعضه معه، وقصدني كثير من الخواص فسألني عن مجلسي معه وما وقع من جوابه وسؤاله، وقد حاول ملك المغرب لما ارتحل إليه في عام سبعة وخمسين وسبعمائة على لقائه فلم يقدر عليه بوجه، وحجبه الله تعالى حتى تبعه يوم جمعة من الجامع الأعظم على قدمه، والناس ينظرونه، وهولم يره، فرجع، ولم يكن قوته إلا من نسخ العمدة في الحديث، وكيف يبيعها، ولمن يبيعها، ولا يأخذ إلا قيمتها