للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما قالوا: إن الذي عفا هو المجني عليه، فهو أولى بنفسه، ولأن من بعده يكون نائبا عنه في المطالبة بدمه أو ديته، فكيف يقبل من نائبه ولا يقبل منه؟!!

كما قال الحنفية: إن القياس يقضي بألا يصح عفو المجني عليه، ولكن الاستحسان يقضي بصحته، ووجه القياس والاستحسان ما بيناه آنفا.

الرأي الثاني: قال أبو ثور وداود وهو قول الشافعي بالعراق: لا يلزم عفوه وللأولياء القصاص أو العفو، واستدلوا على ذلك بالكتاب والسنة والقياس:

أما الكتاب فقد قال تعالى في القتل خطأ: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} ١، وقال جل شأنه في القتل العمد: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} ٢.

ويبين ابن حزم وجه الاستدلال فيقول: فصح أن الدية في الخطأ فرض أن تسلم إلى أهله، فإذ ذلك كذلك فحرام على المقتول أن يبطل تسليمها إلى من أمر الله تعالى بتسليمها إليهم، وحرام على كل أحد أن ينفذ حكم المقتول في إبطال تسليم الدية إلى أهله، فهذا بيان لا إشكال فيه٣.

وصح بنص كلام الله تعالى -في الآية الثانية- وحكمه الذي لا يرد أن الله تعالى جعل لولي المقتول سلطانا، وجعل إليه القود، وحرم عليه أن يسرف


١ سورة النساء الآية رقم ٩٢.
٢ سورة الإسراء الآية رقم ٣٣.
٣ المحلى ج١٠، ص٤٨٩-٤٩٢.

<<  <   >  >>