للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولكن لا يبعد أن يرتبط هذا باستصواب ذي الأمر، ونظره، فإنهم بالوقوع في الأسر صاروا أموالاً، والتصرف في الأسرى من الأمور الخطيرة التي لا يدري فيها إلا ذو الأمر، ولا يستبد بها الآحاد.

١١٣٦٠ - ومما نرى إلحاقه بهذا المنتهى أنا إذا صححنا أمان المسلم، فلا نشترط أن يرجع من أمانه مصلحة على أهل الإسلام، ولا يتصوّر اشتراط هذا في كافرٍ يؤمّن، ولكن كما لا نفع لأمانه، لا وقع لبقائه حربياً. وإذا كنا لا نرعى إظهار مصلحة في حق المسلمين، فلا نطالب المؤمَّن بغرض له يبديه في الأمان؛ فإن تكليف إظهار الأغراض الخاصة عسر؛ على أن هذا يجري غير متعلّق بمجالس الحكام وأصحاب الأمر. نعم، يشترط ألا يكون في الأمان المعقود ضرر عائد إلى المسلمين، فلو أمن طليعةَ الكفار، أو جاسوساً، كان الأمان باطلاً.

ثم الوجه ألا يُثبت هذا الأمان له حقَّ التبليغ إلى المأمن؛ فإن دخول مثل هذا في ديار الإسلام جناية (١)، فحقُّه أن يغتال بها، والعلم عند الله تعالى.

١١٣٦١ - ومما أبهمناه وهذا أوان تقريب القول فيه أنا قلنا: إنما يؤمِّن المسلم محدودين، ولسنا نرى عدداً نقف عنده، فنقول: ما ذكره الأئمة في ذلك أن الأمان ينبغي أن يكون بحيث لا ينسد بسببه الجهاد في جهة من الجهات، وهذا يُبيِّن أن الأمان لو عُقد لأهل الناحية، فهو مردود، وإن فرض عقده لآحادٍ، أمكن فرض الغزو في الناحية، مع ترك التعرض للمؤمَّنين، هذا ما ذكره الأئمة، وسرّه أن الجهاد شعار الدين، والدعوة القهرية، وهو من وجهٍ من أعظم المكاسب للمسلمين، ومن أظهر مجالب الأموال لبيت المال، فينبغي ألا يَظهرَ بأمان الآحاد انحسامٌ ولا نقصان يُحَسّ (٢).

ولو أمن مائةُ ألف من المسلمين، مائةَ ألفٍ من الكفار، فكل واحدٍ لم يؤمن إلا


(١) نقل النووي هذا عن الإمام، وتصحف إلى (خيانة). (ر. الروضة: ١٠/ ٢٨١).
(٢) حكى النووي هذه المسألة عن الإمام، وأشار إلى التردد في صحة أمان الكل عند الانحسام أو النقص. (ر. الروضة: ١٠/ ٢٧٨).