للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ﴾ مِن بابِ تسميةِ الشَّيءِ بما يَؤولُ إليه (١)؛ أي: وما يعمَّرُ مِن أحدٍ، ألا ترُى أنَّه يرجع الضَّمير في قوله: ﴿وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ﴾ إليه؟ والنُّقصانُ مِن عُمرِ المعمَّرِ مُحالٌ، وهو مِن التَّسامحِ في العبارة ثقةً بفهم السَّامع.

هذا بحسب الجليل (٢) مِن النَّظر، وأمَّا النَّظرُ الدَّقيقُ فيَحكم بصحَّة أنَّ المعمَّر - أي: الذي قُدِّرَ له عمرٌ طويلٌ - يجوز أنْ يبلغَ حَدَّ ذلك العمرِ وأنْ لا يبلغَ عمرَه، فيزيدُ عمرُه على الأوَّل وينقص على الثَّاني، ومع ذلك لا يلزمُ التَّغييرُ في التَّقدير، وذلك لأنَّ (٣) المقدَّرَ لكلِّ شخصٍ إنَّما هو الأنفاس المعدودة، لا الأيَّام المحدودة والأعوام الممدودة، ولا خفاء في أنَّ الأيَّام قَدْرٌ مِن الأنفاسِ يزيدُ وينقصُ بالصِّحة والحضور والمرض والتَّعب، فافهم هذا السِّرَّ العجيبَّ (٤).


(١) في (م): "بما يؤول به".
(٢) في (م): "الجلي".
(٣) في (ف) و (م): "أن".
(٤) في هامش (ف) و (م) و (ي) و (ع): "حتَّى ينكشف لكَ سِرُّ اختيار حبس النفس، ويتضح وجه صحة قوله : الصَّدقة والصِّلة تعمران الدِّيار وتزيدان في الأعمار. منه". وهذا القول للمؤلف مع العبارة الواردة في حواشي النسخ المذكورة قد نقله الآلوسي في "روح المعاني" (٢٢/ ١٨٧ - ١٨٨) مصدرا ذلك بالتعجب منه، ومتعقبا إياه برد الشهاب، الذي قال: (وهو مما لا يعوِّل عليه عاقل، ولم يقل به أحد غير بعض جهلة الهنود، مع أنه مخالف لما ورد في الحديث الصحيح من قول النَّبِيّ لأم حبيبة وقد دعت بطول عمر: "سألت الله لآجال مضروبة وأيام معدودة". وقد أطال المحشي فيه وفي رده وهو غنيٌّ عنه). قلت: وأراد بالمحشي الجلبي كما صرّح الآلوسي.