للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقرئ: ﴿ادَّارَكَ﴾ (١)، أي: استَحْكَمَ، وأصله: تَدَارَك، فأُدْغِمَتِ التَّاء في الدَّال، وزيدَ ألفُ الوصل لِيَمْكُنَ التَّكلُّمُ بها.

﴿عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ﴾، أي: في شأنِ الآخرة، والمعنى: أنَّ أسبابَ استحكام العلم وتكامله بأنَّ القيامةَ كائنةٌ لا رْيبَ فيه قد حصلَتْ لهم، ومُكِّنوا مِن معرفته، وهم شاكُّون جاهلون.

وذلك قوله: ﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ﴾ والإضرابات الثَّلاث (٢) تنزيل لأحوالِهم، وتكريرٌ لجهلِهم؛ وصَفَهم أوَّلًا بأنهم لا يشعرون وقتَ البعثِ، ثمَّ بانَهم لا يعلمون أنَّ القيامةَ كائنةٌ، ثمَّ بانَهم يخبطون في شكٍّ ومرْيةٍ فلا يزيلونه، والإزالةُ مستطاعةٌ، ثمَّ بما هو أسوءُ حالًا وهو العمى، وقد جعل الآخرةَ مبدأَ عماهم ومنشأَه، فلذا عدَّاه بـ (من) دون (عن)؛ لأنَّ الكفرَ بالعاقبة والجزاء هو الذي منعهم عن التَّدبُّر والتَّفكُّر.

وجازَ أنْ يكونَ وصَفَهم باستحكام العلم وتكامله تهكُّمًا بهم، وذلك حيث شكُّوا وعَمُوا عن إثباته الذي الطَّريقُ إلى علمِه مسلوكٌ، فضلًا أن يعرفوا وقتَ كونِه الذي لا طريقَ إلى معرفَتِه.

ويجوز أن يكون ﴿ادَّارَكَ﴾ بمعنى: انتهى وفنيَ، مِن (٣) قولِكَ: أدركَتِ الثَّمرةَ؛ لأنَّ تلكَ (٤) غايتُها التي عندها تُعدم.


(١) قرأ ابن كثير وأبو عمرو بقطع الهمزة وإسكان الدَّال من غير ألف، والباقون بوصل الألف وتشديد الدَّال وألف بعدها. انظر: "التيسير" (ص: ١٦٨).
(٢) في (ف): "الثلاثة".
(٣) في (ك) و (م): "وهو من ".
(٤) في (ك) و (م): "ذلك".