مجرَّدَ تفسير يشرح المفردات والجمل، وينقل ما جاء فيها من المأثور والأقوال، بل يعلِّم القارئ لكتاب الله كيف يتفكَّر، ويقف عند كلِّ لفظ ويتدبَّر، ويستنبط من كلِّ عبارة، باحثاً فيها ومقارناً بين معانيها، ومنقِّراً - عند اتحاد الموضوع - عن سبب الاختلاف بين لفظٍ وآخَر، أو بين جملةٍ وقرينتها.
وبمعنًى آخَر هو تفسيرٌ يجعل القارئ لكتاب الله يقرأ بعيون الجيل الأول، ويفهم المعاني كما فهموها، ويتدبَّر الإشارات والدلالات كما تدبَّروها، ويتلمَّس عظمة هذا الكتاب كما تلمسوها، فيعيشُ في ظلاله كما عاشوا، ويغوصُ في أعماقه كما غاصوا، ويسترشد به كما استرشَدوا، فيزداد به إيماناً، وبدِينه يقيناً، بعد أن رأى وفهم، ولمس وعلم، أعظم معجزة أوتيها نبي هذه الأمة.
ومن الأساليب التي اتَّبعها المؤلف للوصول إلى هذا الغرض: التنبيهُ على الحكمة من استعمال لفظ دون آخر، أو تقديم لفظ على آخر، أو الاقتصار على لفظ دون غيره، وقد جمع كل ذلك في تفسير قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ﴾ [النساء: ٧٤] فمَن منا لم يقرأ هذه الآية مئات المرات، ولم يَفهم - إن كان قد فهم - من قوله تعالى: ﴿فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ﴾ أكثر من النصر أو الشهادة، لكن انظر ما ذكر المؤلف فيها، حيث قال: (لم يقل: فيُغلَبْ أو يَغلِبْ؛ إذ حينئذٍ يندرج في الأول الفارُّ من الزحف ولا أجر له، ولم يقل: فيُقتَلْ أو يَقتُلْ؛ للتنبيه على أنه يستحِقُّ الأجر بالغلبة قُتِلَ أو لم يُقتَلْ، وعلى أن حقَّه أن لا يَقصد بالذات إلى القتل، بل إلى إعلاء الحقِّ وإعزازِ الدِّين، وتقديمُ الأول للدلالة على أنه أولى وأحقُّ بالأجر، والاقتصارُ