لا تَنْظُرَوا إِلَى الثِّيَابِ، وَلَكِنِ انْظُرُوا إِلَى الرَّأْيِ وَالْكَلامِ وَالسِّيرَةِ، إِنَّ الْعَرَبَ تَسْتَخِفُّ بِاللِّبَاسِ وَالْمَأْكَلِ وَيَصُونُونَ الأَحْسَابَ، لَيْسُوا مِثْلَكُمْ فِي اللِّبَاسِ، وَلا يَرَوْنَ فِيهِ مَا تَرَوْنَ وَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَتَنَاوَلُونَ سِلاحَهُ، وَيُزَهِّدُونَهُ فِيهِ، فَقَالَ لَهُمْ: هَلْ لَكُمْ إِلَى أَنْ ترونِي فَأُرِيَكُمْ؟ فَأَخْرَجَ سَيْفَهُ مِنْ خِرْقِهِ كَأَنَّهُ شُعْلَةُ نَارٍ فَقَالَ الْقَوْمُ:
اغْمِدْهُ، فَغَمَدَهُ، ثُمَّ رَمَى تُرْسًا وَرَمَوْا حَجْفَتَهُ، فَخُرِقَ تُرْسُهُمْ، وَسَلِمَتْ حَجْفَتُهُ، فَقَالَ: يَا أَهْلَ فَارِسَ، إِنَّكُمْ عَظَّمْتُمُ الطَّعَامَ وَاللِّبَاسَ وَالشَّرَابَ، وَإِنَّا صَغَّرْنَاهُنَّ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى الأَجَلِ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ بَعَثُوا أَنِ ابْعَثْ إِلَيْنَا ذَلِكَ الرَّجُلَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ سَعْدٌ حُذَيْفَةَ بْنَ مِحْصَنٍ، فَأَقْبَلَ فِي نَحْوٍ مِنْ ذَلِكَ الزِّيِّ، حَتَّى إِذَا كَانَ عَلَى أَدْنَى الْبِسَاطِ، قِيلَ لَهُ:
انْزِلْ، قَالَ: ذَلِكَ لَوْ جِئْتُكُمْ فِي حَاجَتِي، فَقُولُوا لِمَلِكِكُمْ: أَلَهُ الْحَاجَةُ أَمْ لِي؟
فَإِنْ قَالَ: لِي، فَقَدْ كَذَبَ، وَرَجَعْتُ وَتَرَكْتُكُمْ، فَإِنْ قَالَ: لَهُ، لَمْ آتِكُمْ إِلا عَلَى مَا أُحِبُّ فَقَالَ: دَعُوهُ، فَجَاءَ حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِ وَرُسْتُمُ عَلَى سَرِيرِهِ، فَقَالَ:
انْزِلْ، قَالَ: لا أَفْعَلُ، فَلَمَّا أَبَى سَأَلَهُ: ما بالك جئت ولم يجيء صَاحِبُنَا بِالأَمْسِ؟ قَالَ: إِنَّ أَمِيرَنَا يُحِبُّ أَنْ يَعْدِلَ بَيْنَنَا فِي الشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ، فَهَذِهِ نَوْبَتِي قَالَ: مَا جَاءَ بِكُمْ؟ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مَنَّ عَلَيْنَا بِدِينِهِ، وَأَرَانَا آيَاتِهِ، حَتَّى عَرَفْنَاهُ وَكُنَّا لَهُ مُنْكِرِينَ ثُمَّ أَمَرَنَا بِدُعَاءِ النَّاسِ إِلَى وَاحِدَةٍ مِنْ ثَلاثٍ، فَأَيُّهَا أَجَابُوا إِلَيْهَا قَبِلْنَاهَا: الإِسْلامُ وَنَنْصَرِفُ عَنْكُمْ، أَوِ الجزاء ويمنعكم إِنِ احْتَجْتُمْ إِلَى ذَلِكَ، أَوِ الْمُنَابَذَةُ فَقَالَ: أَوِ الْمُوَادَعَةُ إِلَى يَوْمٍ مَا؟ فَقَالَ:
نَعَمْ، ثَلاثًا مِنْ أَمْسَ فَلَمَّا لَمْ يَجِدْ عِنْدَهُ إِلا ذَلِكَ رَدَّهُ وَأَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: وَيْحَكُمْ! أَلا تَرَوْنَ إِلَى مَا أَرَى! جَاءَنَا الأَوَّلُ بِالأَمْسِ فَغَلَبَنَا عَلَى أَرْضِنَا، وَحَقَّرَ مَا نُعَظِّمُ، وَأَقَامَ فَرَسَهُ عَلَى زِبْرِجِنَا وَرَبَطَهُ بِهِ، فَهُوَ فِي يُمْنِ الطَّائِرِ، ذَهَبَ بِأَرْضِنَا وَمَا فِيهَا إِلَيْهِمْ، مَعَ فَضْلِ عَقْلِهِ وَجَاءَنَا هَذَا الْيَوْمَ فَوَقَفَ عَلَيْنَا، فَهُوَ فِي يُمْنِ الطَّائِرِ، يَقُومُ عَلَى أَرْضِنَا دُونَنَا، حَتَّى أَغْضَبَهُمْ وَأَغْضَبُوهُ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَرْسَلَ: ابْعَثُوا إِلَيْنَا رَجُلا، فَبَعَثُوا إِلَيْهِمُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَة كَتَبَ إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ: لَمَّا جَاءَ الْمُغِيرَةُ إِلَى الْقَنْطَرَةِ فَعَبَرَهَا إِلَى أَهْلِ فَارِسَ حَبَسُوهُ واستأذنوا رستم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute